منتدى بلدية مناعة
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه


منتدى بلدية مناعة
مرحبا بك عزيزي الزائر. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه

منتدى بلدية مناعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بلدية مناعةدخول

منتدى شامل

مرحبــــا بكم في منتـــــــدى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية مكتب مناعة**يســـر فريق منتدى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية مكتب مناعة دعوتكم الى التسجيل في المنتدى والمساهمــــة فيه بإعتباره منكم واليكم**طريقة التسجيل سهلة وواضحة ..اضغط على ايقونة التسجيل واملئ الإستمارة مع التأكد من صحة البريد الإلكتروني ..بعدها تأتيك رسالة في بريدك تشتمل على رابط لتفعيل الإشتراك ومن ثمّ يمكنك الدخول والمشاركة**سيتدعم المنتدى قريبا بجملة هامة من البرامج والمواضيع الحصرية والمميزة وهي حاليا قيد الإعداد والتنقيح من طرف فريق منتدى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية مكتب مناعة
تم اضافة مواضيع شعر لمعظم الشعراء العالميين والعرب وهي موسوعة شاملة من انتاج منتدى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية مكتب مناعة .. تجدونها في القسم الادبي وسيتم اضافة القصائد تباعا من طرف فريق منتدى الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية مكتب مناعة

descriptionأمثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر ( للشيخ السعدي ) Emptyأمثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر ( للشيخ السعدي )

more_horiz

في ذكر أمثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر

حيث كان المقام من أهم الأمور ، وقد حارت فيه أفهام كثير من الأذكياء ، ولم يهتد إلى الصواب المحض كثير من العلماء ، وكثيرمنهم يأخذ مسائله على وجه التقليد : غير مقتنع بوجه يجمع فيه بين الإيمان بشمول القضاءوالقدر ، مع أن العبد هوالفاعل حقيقة لفعله ، وهو الممدوح أوالملوم عل كسبه . مع أن الشيخ – رحمه الله – حقق هذا المقام ، في هذا النظم ، غاية التحقيق ؛ وبين فيه الهدى من الضلال ، حتى وضح الطريق . لكن المثلة تزيد المصير بصيرة ، وتزيل عن الشاك الطالب للحق ، الريب والحيرة .
ولهذا ، نقول في ضرب الأمثلة المتعلقة بهذه المسألة العظيمة :

( المثال الأول ) : رجل كان مسرفاً على نفسه ، كثيير الجراءة على المعاصي .
فقال له صاحبه – وهو يناصحه ويحاوره - : أما ترتدع عما أنت عليه ؟ أما تتوب إلى ربك وتنيب إليه ؟أما علمت أن عقابه شديد على العاصين ؟ .
فقال المسرف : دعني أتمتع فيما أريد ؛ فلو شاء الله لهداني ، ولو أراد لي غير ذلك لما أغواني .
فقال له الناصح : بهذا الا عتذار الكاذب ازداد جرمك ، وتضاعف ذنبك ؛فإن الله لم يغوك ؛ بل الذي أغواك : الشيطان ؛ وانقادت له النفس الأمارة بالسوء حيث قال الشيطان – مخاطباً لربه – (( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {83} )) سورة ص . فالشيطان دعاك إلى المعاصي فأجبته ، والله دعاك إلى الهدى فعصيته . بيّن الله لك السعادة وطرقها ، وسهل أسبابها ورغبك فيها ؛ ووضح لك طريق الشقاوة ، وحذرك من سلوكها واتباع خطوات الشيطان . وأخبرك بما تؤول إليه : من العذاب الشديد ؛ فرضيت ، واستبدلت الضلالة بالهدى ، والشقاوة على السعادة . وجعل لك قدرة وإرادة : تختار بهما ، وتتمكن بهما من كل ما تريد . ولم يلجئك إلى فعل المعاصي ، ولا منعك من الخير . فسلكت طريق الغي ، وتركت طريق الرشد . فلا تلم إلا نفسك .
أما سمعت ما يقول الداعي أتباعه يوم القيامة- حيث يقوم خطيباً فيهم - : ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ... ))الآية ؟! سورة إبراهيم 22.
فقال المسرف: كيف أستطيع أن أترك ما أنا فيه : والله هو الذي قدره علي ؟! . وهل يمكنني الخروج عن قضائه وقدره ؟ .
فقال الناصح : نعم ؛ يمكنك الخروج بقدره . فالتوبة والإقلاع عما أنت فيه – وأنت تعلم علماً لا تشك فيه – من قدرالله . فارفع قدر الله بقدره .
ثم إن قولك : ( إن المعاصي الواقعة مني ، من قدر الله ) ؛ إن اردت : أن الله أجبرك عليها وحال بينك وبين الطاعة ؛ فأنت كاذب . وأول من يعلم كذبك نفسك : فإنك تعلم كل العلم أنك لو أردت ترك الذنوب لما فعلتها ، ولو أردت إرادة جازمة فعل الواجبات لفعلتها . فلقد أقدمت على المعاصي برغبة منك ومحبة لها ، وإرادة لا تشك ولا يشك غيرك فيها ، وتعلم أن قولك : ( إنها بقضاء الله وقدره ) ؛ دفع اللوم عنك . فهل تقبل هذا العذر : لو ظلمك ظالم ، أو تجرأ عليك متجرئ ؛ وقال : ( إني معذور بالقدر ؛ فلا تلمني ) . أما يزيدك كلامه هذا حنقاً وتعرف أنه متهكم بك ؟! .
قال المسرف : بلى ؛ هذا الواقع .
قال الناصح : كيف ترضى أن تعامل ربك – الذي خلقك وأنعم عليك النعم الكثيرة – بما لا ترضى أن يعاملك به الناس ؟!
وإن أردت بقولك : ( إنها بقضاء الله وقدره ) ؛ بمعنى: أن الله علم مني أني سأقدم عليها ، وأعطاني قدرة وإرادة أتمكن بهما من فعلها؛ وأنا الذي فعلت المعاصي بما أعطاني ربي : من القوى التي مكنني فيها من المعاصي ؛ وأعلم أنه لم يجبرني ولم يقهرني ؛ وإنما أنا الذي فعلت ، وأنا الذي تجرأت - : فقد رجعت إلى الحق والصواب ، واعترفت بأن لله الحجة البالغة على عباده .

***

( المثال الثاني ) : رجل جاء لبعض العلماء ، فقال له : ( أحب أن ترشدني إلى أمر يطمئن له قلبي ، وتقنع له نفسي ؛ من جهة القضاء والقدر. فإني لا أشك أن جميع الحوادث بقضاء الله وقدره ؛ وأنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . وأعلم – مع ذلك – أن أفعالي كلها باختياري وإرادتي ، وأنا الذي عملتها . هذا أمر ضروري ؛ لا أشك فيه ، وأعتقد أنه لا يشك فيه أحد . ولكن : أحب طريقة تهديني إلى كيفية الجمع بين الأمرين )).
فقال العالم : الجواب المقنع في هذه المسألة : أنك إذا علمت أن الله خلقك وخلق أعضاءك الظاهرة والباطنة ؛ هذا أمر لا تشك فيه ولا يشك فيه مسلم ؛ ومن أعظم الأعضاء الباطنة : أن الله جعلك مريداً لكل ما تحبه ، كارهاً لما تبغضه ، إجمالاً وتفصيلاً ؛ وأن الله أعطاك قدرة ؛ توقع بها جميع ما تريد فعله ، وتنكف بها عما تريد تركه ؛ فأنت تعترف بذلك ولاتستريب فيه ؛ وتعرف – مع ذلك – أنك إذا أردت أمراً من الأمور إرادة جازمة ، وأنت تقدر عليه ، فعلته من دون توقف ؛ حتى إن الأمور المستقبله التي تريد فعلها – إرادة جازمة – تقول فيها : سأفعل إن شاء الله كذا ؛ كما قال تعالى : ((وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً {23} إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ... )) سورة الكهف . - :
فإذا اعترفت بذلك كله - : يعني : اعترفت بأنه تعالى خلقك وخلق وقواك الظهرة والباطنة ؛ ومكنك من كل ما تريد بما أعطاك : من قدرة ومشيئة ؛ وأنت الذي تختار وتفعل أو تترك . – فقد جمعت بين الأصلين : الاعتراف بعموم قدر الله ، وأن أفعالك كلها من كسبك ؛ وأنه إن وفقك للخير : فبفضله وتيسيره ؛ وإن لم يوفقك – بل وكلك إلى نفسك -: فلا تلومن إلا نفسك .
ومعرفة هذه المقدمات سهلة بسيطة ؛ وبها يحصل لك الاقتناع التام.
ففعلك داخل في عموم قدرة الله وخلقه : لأن خالق السبب التام ، هو الخالق للسبب . والسبب التام ك قدرتك وإرادتك ؛ والله هوالذي خلقهما ، وأنت الذي تفعل بهما .
وإنما الإشكال الذي لا يمكن حله – لبطلان أحد أصليه - : اعتقادك أنك مجبور على أفعالك ، فهذا الذي لا يمكن العبد أن يعترف معه : أن الأفعال أفعاله . وهذا يعلم بطلانه بالضرورة ؛ كما سبق بيانه .
فقال الرجل السائل المسترشد : لقد وضحت المسألة وضوحاً أشك فيه ؛ علمت بأن الله خلقني ، وخلق جميع أوصافي ؛ وخلق الأسباب التي أتمكن بها من الأفعال ؛ وأنا الذي أفعل وأطيع : إن ساعدني الله بتوفيقه ؛ وأعصي وأغفل : إن وكلني إلى نفسي .
فقال العالم : وأزيدك إيضاحاً بياناً لهذا السؤال :
قال الله لخيار المؤمنين : ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ...)) سورة الحجرات 7 .
فلم يقل : ولكن الله أجبركم على الإيمان ؛ إلى آخره . ولكنه تعالى لما علم حالة النفس وأنها ظالمة جاهلة أمارة بالسوء ، لطف بالمؤمنين ، وحبب إلى قلوبهم الإيمان و، وزينه فيها . فانقادت إلىالخيرات باختيارها ، لما جعل في قلوبهم : من هذه الأوصاف الجليلة . ولما كره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، انصرفوا عنها : لكراهتهم لها ؛ وكان هذا لطفاً وكرماً منه .
وأما الآخرون : فلم يجعل لهم نصيباً من هذا اللطف ؛ فانحرفوا باختيارهم ، وكانوا هم السبب لأنفسهم . حيث كانت مقاصدهم فاسدة ؛ وحيث عرض عليهم الخير فرفضوه ، واعترض لهم الشر والغي فاختاروه ؛ فولاهم الله ما تولوا لأنفسهم ؛ واللوم كله عليهم ، والحجة البالغة لله علىالعباد كلهم . ((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {149} )) سورة الأنعام .
وأزيدك إيضاحاً وبياناً : ألست تفرّق ويفرق كل أحد بين حركة المرتعش بغير اختياره ؛ وبين حركة الباطش والكاتب باختياره ؛ وتعلم أن الأخير فعل العبد حقيقة ، والأول مقسور عليه ؛ وما أشبه ذلك - : من الحركات التي من هذا النوع . – تفرق بين الحركة الاختيارية ، والحركة الاضطرارية ؟! .
فمن ألحق أحد القسمين بالآخر ، وساواه به - : فهو مختل الشعور .
فقال الرجل : جزاك الله خيراً : فلقد أزلت عني كل إشكال ، واقتنعت بذلك غاية الاقتناع .


***

( المثال الثالث ): قضية الرجل الجبري .
كان رجل قد غلا في الجبر والقدر غلواً عظيماً ؛ فكان يعتذر بالقدر عند كل جليل وسلام : حتى آلت به الحال إلى الاستهتار ، وانتهاك أصناف المعاصي . وكلما نصح وليم على أفعاله ، جعل القدر حجة له في كل أحواله .
وكان له صاحب يعذله وينصحه عن هذه المقالة التي تخالف العقل والنقل والحس ؛ ولا يزيده العذل إلا إغراءاً .
وكان صاحبه ينتظر ونتهز الفرصة في إلزامه بأمور تختص به وتتعلق .
وكان هذا الجبري صاحب ثروة له أموال منوعة ، قد وكّل عليها
الوكلاء والعملة .
فصادف في وقت متقارب أن جاءه صاحب ماشيته ، فقال : إن الماشية هلكت وتلفت جميعها ؛ لأني رعيتها في أرض جدبة ليس فيها عود أخضر.
فقال له : فعلت ذلك ,أنت تعلم أن الأرض الفلانية مخصبة ؛ فما عذرك في ذلك ؟
فقال : قضاء الله وقدره .
وكان ممتلئاً غضباً قبل ذلك ؛ فزاد غضبه من هذا الكلام ، واستشاط غضبه ، وكاد يتقطع من هذا الاعتذار .
وجاءه صاحب البضائع ، فقال : إني سلكت الطريق المخوف ، فاقتطع المال قطاع الطريق .
فقال له : كيف تسلك هذا الطريق المخوف – مع علمك أنه مخوف – وتترك الطريق الآمن الذي لا تشك في أمنه ؟! .
فأجابه بمثل جواب الراعي للماشية ، وعمل معه الجبري ما عمله مع صاحبه .
ثم جاءه وكيله على تربية أولاده وحفظهم ، فقال : إني أمرتهم أن ينزلوا في البئر الفلانية – ليتعلموا السباحة – فغرقوا .
فقال : لم فعلت ذلك : وأنت تعلم أنهم لا يحسنون السباحة ؟ والبئر المذكورة تعلم أن ماءها غزير ؛ فكيف تتركهم ينزلون فيها وحدهم ، وأنت لست معهم ؟!.
فقال : هكذا قضاء الله وقدره .
فغضب عليه غضباً لا يشبه الأولين ، وكاد الغضب أن يقتله . وكل واحد – من هؤلاء الذين وكلهم على ما ذكرنا – يزداد غضبه عليه ، إذا قال له : هذا قضاء الله وقدره .
فحينئذ قال له صاحبه : يا عجباً يا فلان ! كيف قابلت هؤلاء المذكورين بهذا الغضب البليغ ، ولم تعذرهم حين اعتذروا بالقدر ، بل زاد هذا الاعتذار في جرمهم عندك ؛ وأنتمع ربك – في أحوالك المخجلة – قد سلكت مسلكهم ، وحذوت حذوهم ؟! .
فإن كان لك عذر : فهم من باب أولى أعذر وأعذر ؛ وإن كانت أعذارهم تشبه التهكم والاستهزاء : فكيف ترضى أن تكون مع ربك هكذا
؟!.
فانتبه الجبري حينئذ ، وصحا بعد ما كان غارقاً في غلوه . وقال : الحمد لله الذي أنقذني مما كنت فيه ، وجعل لي موعظة وتذكيراً من هذه الوقائع التي وقعت لي ، ولمست فيها غلطي الفاحش .
والآن أعتقد : أن ما حصل لي من نعمة الهداية إلى الحق ، أعظم عندي من هذه المصائب الكبيرة . كما تحققت فيها قوله تعالى : ((وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {216} )) سورة البقرة .

***


( المثال الرابع ) : مخاصمة بين القدري والجبري .
طال الخصام بين قدري يعتقد : أن أفعال العباد لا تتعلق بها مشيئة الله ؛ وبين جبري يعتقد ضد ذلك ، وأنهم مجبورون على أفعالهم ، واقعة بغير اختياره م . لأنهما متباعدان في طرفي نقيض .
فاتفقا على التحاكم إلى عالم من علماء أهل السنة : يعرفان كمال معرفته ، وكما الدينه .
فقال السني : ليعرض كل منكما علي مقالته ؛ ولكما علي : أن أدقق الحكم بينكما وأنأرد ا مع كل واحد : من الباطل ؛ وأثبت ما معه : من الحق .
فقال القدري : أنا أقول : ( إن الله حكم عدل ، لا يظلم من عباده أحداً ) ؛ ومن مقتضى إثباتي لهذا الأصل ، أني أنزه ربي عن أن تكون الفواحش الواقعة من العباد واقعة بمشيئة الله ؛ بل العبد هو الذي تجرأ عليها ، وهو الذي فعلها استقلالاً .
وأدلتي على هذا : جميع النصوص الدالة على أن الله ليس بظالم لعباده مثقال ذرة ، وأنه حكم عدل . لأن تعلق مشيئته بأفعالهم ، ثم تعذيبهم عليها – ظلم من جهتين : [ ظلم ] من جهة إضافتها إلى مشيئته ، وظلم من جهة كيف يعذبهم على أمر هو الذي شاءه وقدره ؟! .
ثم إني لو قلت : إنها واقعة تحت مشيئة الله ؛ لأبطلت بذلك أمر الله ونهيه . بل في ذلك إبطال للشرع .
فأنا ما رأيت السلامة من هذا المحذور المحظور ، إلا بهذه الطريقة العادلة التي يرتضيها كل عاقل منزه لله .
فقال الجبري : أنا أقول : ( إن الله على كل شيء قدير ، وإنه خالق كل شيء ؛ وإنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ) ؛ قضايا : لا يمكن مسلماً أن ينكرها ولا ينازع فيها .
وهذا عموم : لايخرج عنه حادثة . ومن أعظم الحوادث أفعال العباد : من طاعات ، ومعاصٍ، وغيرها .
فلو أنها خارجة عن قدرة الله ومشيئته ، لم يكن الله قديراً على كل شيء ، ولا خالقاً لكل شيء . ومقتضى ذلك ك أن العباد مجبورون على أفعالهم ، غير مختارين لها . لأنهم لو اختاروها وفعلوها حقيقة ، لخرجت عن مشيئة الله ، وصرفتهم الإرادة .
وأدلتي على قولي هذا : جميع النصوص المثبتة لعموم خلق الله ومشيئته وقدرته ؛ وأني لو قلت : إن العبد فاعل حقيقة لفعله ؛ لأخرجت هذا القسم عن مشيئة الله وقدرته .


عدل سابقا من قبل Admin في الجمعة يونيو 06, 2008 8:28 pm عدل 1 مرات

descriptionأمثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر ( للشيخ السعدي ) Emptyرد: أمثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر ( للشيخ السعدي )

more_horiz
فقال الحاكم السني : لقد وضح كل واحد منكما مذهبه توضيحاً كاملاً ؛ واستدل كل واحد منكما بأدلة لا يمكن المنازعة فيها : لكثرتها ووضوحها . ولكن كل واحد منكما لم ينظر المسألة من جميع نواحيها ؛ بل لحظ جانباً ، وعمي عن الجانب الآخر . وكثير من الأغلاط يأتي من هذا السبب .
وسأحكم بينكما بحكم : يستند علىالكتاب والسنة ، ويستند إلى العقل والفطرة . وسأقنع كل واحد منكما : إن كان قصده طلب الحقيقة .
أما أنت – أيها القدري – فأصبت بقولك : إن أفعال العباد كلها من كسبهم وكلها من فعلهم ؛ طاعاتها ومعاصيها ، وغيرها من أفعالهم . وأصبت في استدلالك عليها : بأن الله نسبها وأضافها إليهم . وأصبت في تَبَرِّيك من قول يلزم منه إسقاط الأمر والنهي ؛ وهو : الجبر .
ولكنك أخطأت خطأ كبيراً ، حيث زعمت : أن مشيئة الله وقدرته ، لاتعلق لها بأفعال العباد .
فنفيت عموم النصوص الدالة على هذا الأصل ؛ وظننت : أن إثبات عموم الخلق والمشيئة لله ، ينافي كون الأفعال الصادرة من العباد تكون باختيارهم ، ومن كسبهم .
وهذا الظن غلط محض . بل المؤمن العارف يجمع بين الأمرين : يثبت لله تعالى أنه خالق كل شيء : من الأعيان ، والأوصاف ، والأفعال . وأنه – مع ذلك – الأفعال صادرة منهم حقيقة .
وأما أنت – أيها الجبري – فلقد أصبت بإثباتك : أن الله على كل شيء قدير ، وأنه خالق كل شيء ؛ وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . وأصبت في هذا الاستدلال .
ولكنك أخطأت خطأ كبيراً ، حيث زعمت : أن من لوازم إثبات عموم مشيئة الله ، أن العبد مجبور على أفعاله : لم تقع بمشيئته . وظننت : أن إثبات عموم القدر يقتضي منك أن تقول هذا القول .

***
ثم قال السني – أيضاً – لهما : لقد قال كل منكما قولاً ممزوجاً حقه بباطله ؛ وسأحكم بينكما بحكم : يتضمن إثبات ما مع كل منكما : من حق ؛ وإبطال ما مع كل منكما : من باطل .
وقد دل على هذا الحكم عدة نصوص ؛ منها قوله تعالى : ((لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ {28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {29} ))
سورة التكوير .
فهذه الآية الكريمة حكمت بينكما : فإن الله أثبت للعبد مشيئة بها يفعل ويسلك الصراط المستقيم ، أو يدعه باختياره ومشيئته . وأخبر : أن مشيئة العبد تابعة لمشيئ الله ، غير خارجة عنها . فمشيئة الله عامة : لا يخرج عنها شيء ؛ ومع ذلك فالعباد هم الذين يعملون ويطيعون ويعصون .
ومع أن هذا هو الذي دلت عليه النصوص الشرعية - : من الكتاب والسنة . – فهو الذي يدل عليه العقل والواقع والحس . فإن الله خلق العبد ، وخلق ما فيه : من جميع الأوصاف والقوى . ألستما تعترفان بذلك ، وكل عاقل يعترف به ؟! .
قالا : بلى .
قال السني : فإن من جملة أوصاف العبد – التي خلقها الله فيه – أنه أعطاه قدرة ومشيئة يتمكن بهما من كل ما يريده -: من خير وشر ، وطاعة ومعصية . – وبهما تقع طاعاته ومعاصيه . وتعلمان : أن العبد متى أراد أمراً من الأمور التي يقدر عليها ، فعله بتلك القدرة والإرادة اللتين خلقهما الله فيه .
فإذا أوقع العبد بهما فعلاً من أفعاله ، دخلت ( * ) تحت عموم قدر الله . لأن خالق السبب التام – الذي هو قدرة العبد وإرادته – خالق للمسبب ؛ يعني : لما يصدر عنهما . وكل منكما يعترف : أن الله خالق قدرة العبد ومشيئته ؛ كما خلق جميع قواه الظاهرة والباطنة .
فإذا اتفقتما على هذا القول الذي هو الصواب – بما عرف من دلالة النصوص الشرعية عليه ، وأنه هو المعقول المحسوس - : عاد الأمر إلى الوفاق .
فليتبرأ كل منكما من الباطل الذي معه ، وليعترف بالحق الذي مع صاحبه .
ليتبرأ الجبري من اعتقاده : أن العبد مجبور مقهور على أفعاله ؛ وليعترف : أنها واقعة بكسبه وفعله حقيقة .
وليتبرأ القدري من اعتقاده : أن أفعاله غير داخلة تحت مشيئة الله ، وغير شامل لها خلق الله وقدره . وليعترف : بعموم خلق الله ، وشمول قدره .
والحمد لله الذي بين الصواب ، ووفق من شاء من عباده لاتباعه .
((وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {46} )) سورة النور وسورة البقرة 213 .

***

( المثال الخامس ) : في الآجال والأرزاق .
اعلم : أن الآجال والأرزاق – كسائر الأشياء – مربوطة بقضاء الله وقدره . فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ؛ ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {34} )) سورة الأعراف .
فهذا أمر لا ريب فيه ولاشك . ومع ذلك ، فهي – أيضاً – كغيرها : لها أسباب دينية ، وأسباب طبيعية مادية ، والأسباب تبع قضاء الله وقدره . ولو كان شيء سابق القضاء والقدر – من الأسباب - : لسبقته العين ؛ لقوتها ونفوذها .
فمن الأسباب الدينية لطول العمر ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره [ أي : يطيل عمره ] فليصل رحمه ) .
وذلك : أن الله يجازي العبد من جنس عمله ؛ فمن وصل رحمه: وصل الله أجله ورزقه ، وصلاً حقيقياً . وضده : من قطع رحمه ، قطعه الله : في أجله ، وفي رزقه . قال تعالى : ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )) سورة الطلاق .
ومن الأسباب الدينية لمحق الرزق : المعاملات المحرمة كالربا والغش ، وأكل أموال الناس بالباطل . فصاحبها يظن – بل يجزم - : أنها توسع عليه الرزق . ولهذا تجرأ عليها . والله تعالى يعامله بنقيض قصده .قال تعالى : ((يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ )) سورة البقرة 276.
فالمعاملة بالربا تمحق صاحبها ، وتمحق ماله . وإن تمتع به قليلاً ، فمآله إلى المحق والقل . كما أن المتصدق يفتح الله له - : من أبواب الرزق . - ما لا يفتحه علىغيره . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما نقصت صدقة من مال ، بل تزيده [ ثلاثاً ] ) .
كذلك الغش وأكل أموال اليتامى والأوقاف بغير حق - : من أكبر أسباب المحق ؛ مع ما على صاحبها : من الإثم والعقوبة .

***

ومن أسباب طول العمر وقصره الطبيعية - : الصحة ، والمرض.
فالعافية من الأسقام سبب لطول العمر؛ كما أن الأمراض بأنواعها سبب لقصره .
والمسكن والبقعة : إذا كانت صحيحة طيبة الهواء ، صارت من أسباب عافية أهلها وطول أعمارهم . والعكس بالعكس : البقاع الرديئة المناخ والهواء ، أو البقاع الوبيلة – سبب لقصر العمر ، كما هو شاهد .
والتوقي عن المخاطر والمهالك ، واستعمال الأسباب الواقية – فائدتها في طول العمر ظاهرة . والإلقاء بالنفس إلى التهلكة ، وسلوك المخاطر ، وكل أمر فيه خطر – سبب ظاهر للهلاك . والأمثلة في هذا كثيرة .

***
ومن الأسباب المادية في حصول الرزق وسعته - : استعمال المكاسب النافعة . وهي كثيرة متنوعة : كل أحد يناسب له منها ما يوافقه ويحسنه ، ويليق بحاله . كما قال تعالى : ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {15} )) سورة الملك . فيدخل في هذا العمل جميع الأسباب النافعة . وكذلك قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ )) سورة البقرة 67 ؛
إلى غير ذلك : من الآيات.
وكل هذه الأمور تابعة لقضاء الله وقدره . فإن الله تعالى قدر الأمور بأسبابها : فالأسباب والمسببات من قضاء الله وقدره ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ( يارسول الله ؛ أرأيت أدويةنتداوى بها ، وتُقاةً نتقيها ، ورُقى نسترقيها ؛ هل ترد من قضاء الله وقدره شيئاً ؟ ) ؛ فقال : ( هي من قضاء الله وقدره ) .
وكذلك : الأدعية المتنوعة سبب كبير لحصول المطلوب ، والسلامة من المرهوب . وقد أمر الله بالدعاء ، ووعد بالإجابة . والدعاء نفسه ، والإجابة كلها داخلة في القضاء والقدر .
وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم – الأمر ، بالعمل بكل سبب نافع ، مع الاستعانة بالله . كما ثبت في الصحيح – مرفوعاً - : (احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ) .
فهذا أمر بالحرص على الأسباب النافعة في الدين والدنيا ، مع الاستعانة بالله . لأن هذه : الاستقامة . وذلك : لأن الانحراف من أحد أمور ثلاثة : إما أن لا يحرص على الأمور النافعة ؛ بل : يكسل عنها ، وربما اشتغل بضدها . أو يشتغل بها ، ولكن : يتكل على حوله وقوته ، وينظر إلى الأسباب ، ويعلق جميع قلبه بها ، وينقطع عن مسببها . أو لا يشتغل بالأسباب النافعة ، ويزعم : أنه متوكل على الله . فإن التوكل لا يكون إلا بعد العمل بالأسباب .
فهذا الحديث بين فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – الطرق النافعة للعباد .
***

ولنقتصر على هذا : فإنه يحصل به المقصود . والله أعلم ؛ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
***
قال ذلك وكتبه : عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله ، آل السعدي . غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين .
وافق الفراغ منه : في 30 ربيع الثاني ، سنة 1376 هـ .
وتم نقله بيد راجي عفو ربه : محمد السليمان البسام ؛ في 22 جمادي الأول ، سنة 1376 هـ .
***
نقلاً عن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السِعدي رحمه الله . الجزء 3 ( العقيدة الإسلامية ) . في خاتمة رسالة بعنوان : الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية . من ص189 إلى ص 204 .

والحمد لله رب العالمين

privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد