جريمة الرشوة في الإسلام‏
إن من أشد الجرائم التي تفسد المجتمعات، وتذهب بأخلاقها، وتمحو بركة مالها هي جريمة الرشوة، وهي منتشرة في كل مجتمع فيه ظلم وفساد ‏‏، وضعف في الوازع الديني. ‏

الرشوة هي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو منصب أو وظيفة عامة أو خاصة ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو أو ينجز له عملا أو يؤخر ‏لغريمه عملا. ‏

وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة، وحرم قبولها وحرم التوسط بين الآخذين والدافعين. قال - تعالى -: ((ولا تأكلوا أموالكم بينكم ‏بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)) [الآية سورة البقرة آية 188].

وأدلة تحريم الرشوة من السنة ما أخرجه الترمذي وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وما أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمر ‏- رضي الله عنهما- قال: (لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي في الحكم). ورواية عائشة - رضي الله عنها - والراشي الذي يمشي بينهما..‏

ووجه الدلالة أن الرشوة تبعد الإنسان عن رحمة الله، أو أن يلعن نتيجة لارتكاب جريمة الرشوة، وهذا دليل التحريم والوعيد الشديد من الرسول ‏- صلى الله عليه وسلم -، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به)، قيل :وما ‏السحت؟ قال: (الرشوة في الحكم) [كنز العمال 6/60].‏

وفي مسند الأمام أحمد قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب) - نسأل الله السلامة -، فالقلق النفسي الذي ‏يعيشه المرتشي والراشي، عقاب دنيوي معجل له في حياته الدنيا وفاقا لما أخذه وأزعج به إخوانه المسلمين.

وقد أجمع الصحابة الكرام و التابعون الأفذاذ وعلماء الأمة الأجلاء على تحريم الرشوة بجميع صورها وأشكالها.. ‏

أما الآثار التدميرية للرشوة على المجتمع هي كما يلي:



‏1-‏ انحراف وفساد الجهاز الإداري أو أحد مؤسساته:
فموظف الدولة يمتلك القدرة على إلغاء مشروع اقتصادي ضخم أو الموافقة على ‏قيامه، أو يقبل بضاعة رديئة أو بضاعة فاسدة صحيا أو حتى ممنوعة ومحرمة شرعا وقانونا، فيقبلها ويقبل استيرادها مقابل حفنة ‏عفنة من المال، وهذا له أثر بالغ على اقتصاديات وسياسات وأمن الوطن والمجتمع سلبيا.



‏2-‏ إن الرشوة تتعدى الحصول على مال أو عدم دفع مال مستحق ليصل الراشي من خلالها إلى مركز أو عمل أو موقع:
ويترتب عليها ‏شغل شخص لوظائف ليس على المستوى المطلوب ولا يتمتع بالكفاية الإنتاجية اللازمة، وقد يصل الراشي إلى هذا المنصب ليدمر ‏الكفاية الإنتاجية للجهاز الإداري، مما يتسبب بالتالي على عرقلة التنمية المتوقعة حسب الخطة المرسومة من قبل ولاة الأمر ‏وأصحاب الشأن العام.



‏3-‏ تدمير الموارد المالية للمجتمع:
فالرشوة تدفع المرتشي إلى قبول مشاريع ناقصة أو غير مطابقة للمواصفات والمقاييس المطلوبة، مما يتسبب في انهيار جسر أو ‏عمارة أو تسليم بضاعة تالفة أو أدوية منتهية الصلاحية أو أغذية فاسدة أو لا تصلح للإستهلاك الآدمي، أو مواد لها آثار سلبية على ‏الطرق أو الكهرباء أو المياه وشتى الخدمات التي لها مساس بمصلحة المجتمع.



‏4-‏ تدمير الأخلاق في المجتمع:

إن تفشي ظاهرة الرشوة في مجتمع ما كفيلة بتدمير أخلاقياته وقيمه وفقدان الثقة وعدم المبالاة والتسيب وعدم الولاء والانتماء، ‏والإحباط في العمل وتأخير الإنجاز، كالمهندس في دائرته لا يوقع على معاملة حتى يستلم مقدما أن المشروع أو المبنى صالح ‏كهربائيا أو إنشائيا من حيث مواد البناء، ومواصفات التشطيب، وهكذا، وإذا لم يدفع له لا يتم التوقيع.



‏ 5- والرشوة تدمير جسدي للمجتمع والبشرية:
كما لو حدث انهيار في المباني الكبيرة المأهولة بالسكان، فتدمر من فيها من السكان وتذهب الأموال والأنفس، وتتلف صحة البشر ‏‏، وتحدث الإعاقات الجسدية، وكما لو حدثت الرشوة في مشروع لإنتاج الدواء أو تقديم الخدمات الطبية أو الغذائية أو خدمات صيانة ‏مرافق مشروع، أو في بعض المشاريع ذات الأهمية بالنسبة للجمهور كالمجمعات أو المدارس والمستشفيات والملاعب والطرق ‏وغيرها و غيرها.‏



‏ 6- الرشوة تمنع رجال الأعمال الصالحين من المشاركة في دخول المناقصات‏
‏ والتعهدات التي تطرح لتنفيذ مشاريع حكومية إنشائية أو خدمية:

ولو علم‏ رجال الأعمال أو المقاولون الصالحون الذين يخافون الله ويتحرون الرزق الحلال أن الرشوة يجب أن تقدم للفوز بمناقصة ما، في الدولة فإنهم ‏ لا يقدمون على دخولها، وينأون بأنفسهم عن فتح باب الرزق الحلال، بمفتاح محرم يلوث الباب إن فتح به، فبغيابهم يتاح لغيرهم من العناصر ‏الفاسدة الذين ليس لديهم دين يردعهم أو وازع يمنعهم من دفع الرشوة‏‏ للفوز بالمناقصة، ويخرج الصالحون من المنافسة وهم الذين كان لديهم ‏الاستعداد لينافسوا بشرف وذمة ويقدموا أفضل الأسعار والمواصفات مما يوفر على الدولة الكثير من الجهد والمال والوقت. والعناصر الفاسدة ‏ لاشك أنها فاسدة بذاتها مفسدة لغيرها، لأنها بلا شك تشتري وتبيع في ‏ الذمم والضمائر في بورصة يومية متكررة أسمها بورصة ‏‏(ما يخدم بخيـــل) أو (نفعني وأنفعك) وغيرها من البورصات الشهيرةفي عالم الجريمة المالية (الرشـوة).‏



‏ 7- مواجهة الرشوة تكلف الدولة نفقات باهظة:
لما أهمل الموظفون في بعض الدول الإسلامية جانب الدين والصلاح والأمانة والعفة ‏والمشورة لأهل الرأي والخبرة والعلم والحكمة تكلفت الدول أموالا طائلة لمواجهة الراشي والمرتشي ومحاسبتهم ومكافحة الفساد الإداري ‏فأنشأت دوائر تشريعية وتنفيذية ورقابية وتحقيقيه مثل ديوان المظالم، والمباحث الإدارية، وهيئة الرقابة والتحقيق، وديوان المراقبة العامة، ‏وغيرها من الدوائر ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة والمساندة وغيرها، وسنت قوانين لمراقبة من تظهر عليه علامات الثراء السريع ‏والمفاجئ، ومن أين لك هذا ومراقبة الحسابات والتحويلات، وغيرها مما يضع العناصر الفاسدة تحت المراقبة وتحت المجهر، وخاصة ممن ‏تدور حولهم الشبهات وممن تشير إليهم أصابع الاتهام. ‏

وكل هذه الدوائر والموظفون يحتاجون إلى ميزانيات ورواتب ومكافآت حتى يؤدوا عملهم المناط بهم على أكمل وجه، وكلها تثقل ميزانية الدولة ‏‏، إذن فالرشوة التي هي رأس أفعى الفساد الإداري تكلف الكثير من اجل محاربتها، ‏ولو ترك المجرمون المرتشون والراشون هذه العادة السيئة والبغيضة عند الله وعند الأسوياء من البشر، لتوفرت للدولة الأموال الطائلة ‏والجهود لصرفها قي مصالح أخرى أجدى وأنفع لبناء المجتمع.

والله ولي التوفيق.