خي يا ابن هذا الوطن العربي الكبير،
أكتب إليك من قلب المعاناة، من أكناف القدس الشريف، ومن فوق ركام بيتي المهدم في خانيونس، بعد مظاهرة حاشدة تخرج يوم الجمعة، قبل وأثناء قصفٍ وحشيِّ وصل إلى استخدام صواريخ أرض- أرض، أكتب إليك في ساعات الشدة وبين أخبار الاغتيالات، حتى أصبح كل فرد منا ينتظر أن يفكر اليهود بقتله، أكتب إليك هموم شعبيَ المقاتل، لعلها تصبح هموماً مشتركة يوما ما.
أكتب إليك وأنا أعلم أن صور الشهداء التي أزين بها جدران غرفتي المثقبة من القذائف والصواريخ، يقابلها صور المغنيين والممثلين العرب والعجم في غرفتك. وأعلم أن أبناءَك يلهون في مدن الألعاب الضخمة، بينما يفتش أبنائي عن حجر صغير يرمونه على من استفاقوا وهو يدك جدران مدنهم ومنازلهم ويحرقها بالنار، أطفالي أعجبتهم لعبتهم لأنها تعلمهم كل يوم شيئاً جديداً، ولأنها تمنحهم جزءاً من الكرامة العربية التي وُلدوا وهي ضائعة، وأطفالك سوف يصيبهم الملل يوماً ما، مع تمنياتي لهم بحياة جميلة لأني أعتبرهم أبنائي أيضاً.
وتستطيع عبر وسائل الأعلام المختلفة أن تشاهدَ (إذا رغبتَ) صوراً لأهليَ/أهلك في غزة ينامون على الأرصفة والشوارع، بينما تنام أنت في بيتٍ وثير يقيك وعائلتك البرد والحر. انا –يا أخي- محتاج إلى وقفة عزٍ منك تقفها معي لأنني اكتشفت أنني أقاتل العالم "المتحضر" بأسره، وليس إسرائيل فحسب… ولأنني أعلم أن هزيمتي في وجه أعدائي هي هزيمة لك في عقر دارك.
لو كان شارون يخشى أو يحسب الحساب لدولتك أو نظامك السياسي أو آلتك العسكرية، لما تجرأ وهاجم غزة ورام الله بهذه الأسلحة الفتاكة، إنه حتى لا يكلف نفسه حسابَ مدى وقوة ردّ الفعل العربي لأن الأحاسيسَ العربية قد تجمدتْ، وأصبح العرب أشلاء جثة ممزقةٍ وملقاة على درب الزمن.
لقد تجرأتُ على الكتابة إليكَ لأنني مؤمن (ومن أعماق أعماقي) أنكَ أنتَ فلسطين في بعدها التاريخي والحضاري. إن التقسيمات الحدوديةَّ التي أوجدها الاستعمار بيننا لا يمكن أن تمنعني أن أكون عُمانياً مثلاً مع انني ولدتُ في فلسطين، ولن تمنعني ان أكون (وبفخر) ليبياً أو مصرياً أو غير ذلك. لو لم توجد هذه الحدود البلهاء لكان اليهود يحتلون جزءاً من أرضك وليس فلسطين فقط. لذلك فأنا احب أن اجمع كل هذه المُسميات وأصهرها في انتماء واحد وهو "عربي".
تصور ما اجمل أن نكون دولة واحدة يُهاب جانبها فنؤثر في القرار الدولي ونجعل أيَّ دولةٍ أخرى ترضخ لإرادتنا. فإذا كانت أمريكا قدمت اعتذاراً للصين عن طائرة تجسس اخترقت أجوائها فتصور حجم الاعتذارات التي يجب أن تقدمها أمريكا للعرب على كل جرائمها التي ارتكبتها ضدهم على مدار القرن الماضي وبداية هذا القرن. ولكن يبدو أننا لن نحصل إلا على مزيد من الإهانات ما بقينا على حالنا هذا.
أرجوك لا تفهم أنني أحب أن تعيش كما أعيش أنا في ظل هذا الحصار والقصف والدمار، أرجوك لا تفهم انني اعد لك نظرة سوداوية لتطل بها على الحياة، لكنني أتسائل فقط، ما الذي سيحدث إذا استبدلتَ "البوب كورن" الذي يتناوله أطفالك كل صباح بما يقابله من انتاج بلدك أو بلد شقيق لها؟ تصور حجم الخسارة الأمريكية، وبالتالي الإسرائيلية، وبالتالي خسارة كل قوى العدوان والظلم في العالم.
ليس المطلوب أن تحول حياتك إلى جحيم، كالذي أحياه أنا، ولكن عليك أن تفكر بالتضامن العربي، لأنه ذو اتجاهين، وقد تضامنتُ أنا وبكيت بحرقة كلَّ اعتداء تعرضتَ له انتَ من قبل أعدائك/أعدائي، المطلوب أن ألمس مدى إحساسك بالألم الذي أعيشه، فلعل هذا الإحساس يعبر عن وحدة الهموم، ثم تتحول هذه الوحدة إلى اتحاد عربي شامل طالما حلمنا به.
وليس من الجديد القول إن هذه الوحدة العتيدة سوف تبني لنا مجداً شامخاً تزينه "الكرامة"، وتصونه "القوة" و"المنَعَة" و"الإباء". ما أجمل هذه الألفاظ التي تزخر بها لغتنا المشتركة، وما أجمل أن تكون حقيقةً واقعةً. ولنعترف معاً أنها ليست كذلك الآن.
المال ليس هو المطلوبُ، يا أخَ العروبة، لكن المطلوبَ هو أن لا نواجه مصائرنا فُرادا في هذا الوطن العربي الكبير المليء بالآلام والتخلف والهوان، فيؤكل كل منا يوم أُكلَ الثور الأبيض. يكفيني أن لا أحس بلا مبالاتك تجاهي عبر رقصك وغنائك على الفضائيات، في الوقت الذي تبكي الأمهات في بلادي/بلادك أولادهن بإحساس قاتل بالضياع واللوعة.
من كل قلبي أشكر لك صبركَ على كلماتي الخارجة من رحم المعاناة والمرارة… المكتوبة بحرقةِ ووجعِ الاضطهادِ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته…