من مكارم الأخلاق –
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
وبعد : فهذه توجيهات في السلوك نحو مكارم الأخلاق . فمن ذلك ما أخرجه مسلم والترمذي من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثم, فقال : البر حسن الخلق , والإثم ماحاك في الصدر وكرهت أن يطَّلع عليه الناس منك" ([1]).
وهكذا سأل النواس بن سمعان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين باسم البر والإثم, وذلك لأن البر يشمل جميع الطاعات , والإثم يشمل جميع المعاصي , فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن البر بأنه حسن الخلق , ومكارم الأخلاق من حيث هي , هي بعض البِرِّ , ولكنْ باعتبار النتائج والمقاصد فإن جميع التكاليف الشرعية من مقاصدها ونتائجها حسنُ الخلق .
وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الإثم بعلامة من علاماته , هذا من باب التركيز على ما اشتبه أمره, هل هو من المحرم أو من المباح , فإذا كان الإنسان يشعر بانقباض النفس من شيء ويكره أن يراه الناس وهو متلبس به فإنه يدخل في دائرة الممنوع وإن لم يتحقق المسلم تحريمه .
وهكذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن البر والإثم ببعض محتوياتهما من باب الاهتمام بهذين الأمرين اللذين ذكرهما .
وأخرج أبو داود من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان بنت الوازع ابن زارع , عن جدها زارع – وكان في وفد عبد القيس – قال: وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبِّل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله , وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيْبته فلبس ثوبيه, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فيك خُلَّتين يحبهما الله : الحلم والأناة , فقال : يارسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : بل الله جبلك عليهما, قال: الحمد لله الذي جبلني على خُلَّتين يحبهما الله ورسوله " ([2]) .
وأخرجه مسلم مختصرا ([3]) .
ففي هذا الحديث أشاد النبي صلى الله عليه وسلم بخلقَي الحلم والأناة , حيث بين أن الله تعالى يحبهما, وهما من الأخلاق الإسلامية العالية , فالحلم يقي صاحبه من الغضب السريع , ومايترتب عليه من السلوك السيء في القول والعمل , والتأني يقي صاحبه من مساوئ العجلة , وذلك في التصرفات التي لم يحكمها العقل السليم , ويعطي صاحبه فرصة للتأمل والتفكير حتى يَصدُرَ السلوك منه متوازنا محكما .
وأخرج الدارمي من خبر عكرمة قال قال العباس رضي الله عنه : "لأعلمن مابقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا , فقال : يارسول الله إني أراهم قد آذوك وآذاك غبارهم , فلو اتخذت عرشا تكلمهم منه, فقال : لا أزال بين أظهرهم يطؤون عقبي , وينازعوني ردائي , حتى يكون الله هو الذي يريحني منهم, قال: فعلمت أن بقاءه فينا قليلا" ([4]) .
فهذا مثل من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم , وهو بذلك يَسُنُّ سنة للولاة والمربِّين من بعده , حيث تواضع لأفراد أمته فعاش معهم كواحد منهم , ولم يرض أن يتميز عليهم بشيء .
وإن التواضع لله أولا ثم للمخلوقين دليل على سمو الفكر وكمال العقل , ولذلك جاءت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم نحو التواضع .
وذلك لأن الشريعة الإسلامية شُرعَتْ من عند الله تعالى لترفع من مستوى العقل البشري , ولتميز أصحاب الأفكار السوية وتُوجهَهم نحو الإصلاح والقيادة التربوية .
--------------------
([1])صحيح مسلم , رقم 2553 , كتاب البر , باب تفسير البر والإثم , سنن الترمذي , رقم 2390, الزهد , باب البر والإثم .
([2]) سنن أبي داود , رقم 2525 , في الأدب , باب في قبلة الرجل .
([3])صحيح مسلم , كتاب الإيمان , باب رقم 17 .
([4])جمع الفوائد رقم 8418 .