كيف حصلت (إسرائيل) على اسمها؟


نميل، نحن العرب، لنسبة التخطيط والتآمر لكل خطوة يهودية، ونكاد لا نصدق أنفسنا عندما نسمع (إسرائيليين) يتحدثون عن الصدفة أو الفرصة التي يتم اقتناصها. وتزداد الغرابة عندما يعيد (إسرائيليون)، سواء من المؤرخين الجدد أو من أناس شاركوا في صنع الأحداث، تركيب الصورة فتظهر لنا، مرة أخرى، كلغز وأحجية.
وفي الأيام الأخيرة، ولمناسبة احتفال (إسرائيل) بذكرى <استقلالها> وإقامة الدولة اليهودية، عاد السجال والجدال حول عدد من القضايا والمسلمات. وبين هذه القضايا، أثر قضية الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي، درايفوس، على <الأب الروحي> للفكرة الصهيونية، بنيامين هرتسل.

وبرغم أن أسطورة هرتسل وصياغته لكتاب <دولة اليهود أرض قديمة جديدة> تتخذ أشكالا مختلفة وفق الغايات المطلوبة، فإن الغالب فيها هو أن اللاسامية دفعت هذا <المندمج> إلى اكتشاف يهوديته. ولكن صاحب كتاب دولة اليهود لم يفلح في تحديد اسم هذه الدولة وترك الباب مفتوحا لنقاشات لا تنتهي حول هذا الاسم.
ومن البديهي ألا يصدق أي منا أذنيه عندما يسمع أن اسم <دولة إسرائيل> لم يقر إلا قبل أيام فقط من إعلان دافيد بن غوريون عن قيامها في الخامس عشر من أيار العام .1948 وقد يتعاظم الاستغراب عند معرفة أن سجالا لا يزال يدور بين المؤرخين (الإسرائيليين) حول شخصية المبادر لإطلاق هذه التسمية.
وفي مقالة كتبها أهرون رؤبيني في <هآرتس> قبل أيام، استعرض السجالات التي دارت في (إسرائيل) طوال عتحياتي حول اسم <دولة إسرائيل> ودوره في ذلك. وكتب أن السؤال حول من كان أول شخص استخدم علنا اسم <دولة إسرائيل ظل يحير الجمهور إلى أن أعلن مذيع في الإذاعة (الإسرائيلية) أثناء احتفالات الاستقلال صيف العام 1965 أن بن غوريون سئل عن ذلك فقال إنه لا يتذكر. ومع ذلك فإن الكثيرين في (إسرائيل) يعزون الفضل في اختيار الاسم إلى دافيد بن غوريون>. وأضاف <غير أن زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية، يهودا أليتسور، كتبت حينها في <هآرتس> و<جيروزليم بوست> أن زوجها كان أول من اقترح الاسم ونشره في <بلستاين بوست> باللغة الإنكليزية في الثاني عشر من نيسان .1948 ولكن تبين أنه في ذلك اليوم تحديدا كانت <الإدارة القومية> التي كانت بمثابة حكومة اليهود قد قررت اعتماد هذا الاسم>.
غير أن هذه المعلومات تخالف ما هو شائع في ذلك الوقت. فقد اعتمدت الرواية (الإسرائيلية) على ما نشره صحافي (إسرائيلي) لمناسبة الذكرى الأولى لإعلان قيام (إسرائيل) في أيار .1949 وقد كتب ذلك الصحافي أن اختيار الاسم تم في الثاني عشر من أيار العام 1948 في اجتماع عقدته في تل أبيب <الإدارة القومية> التي تحولت بعد ذلك إلى حكومة مؤقتة. وأشار إلى أنه بعد أن قررت هذه الإدارة إعلان الدولة أثير موضوع الاسم الذي ستتخذه. وكان الميل الغالب في الاجتماع هو تسمية الدولة الجديدة ب<دولة يهودا>.
لكن تبين، في النقاشات التالية، أن هذه التسمية تطفح بمواضع الخلل؛ فالقسم الذي منحه لليهود مشروع التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لا يحوي أيا من أراضي <دولة يهودا التاريخية>. كما أن الدولة اليهودية الجديدة لم تكن تشمل القدس التي كانت <عاصمة يهودا>. ولذلك تم إهمال اسم يهودا وبدأ النقاش في تسمية الدولة ب<صهيون> أو <تسبار> أو <أرض إسرائيل>. ولكن كل هذه التسميات لم ترق للحاضرين لأسباب عديدة؛ فصهيون، اسم جبل في القدس التي كان من المقرر أن تخضع لنظام دولي خاص واسم <تسبار> لا يعني من الوجهة التاريخية شيئا، كما أن اسم <أرض إسرائيل> لا يصح إطلاقه على قسم فيما يبقى القسم الأكبر من هذه الأرض خارجه.
وبحسب الصحافي نفسه فإن بن غوريون كان أول من عرض اسم <إسرائيل> على أعضاء الإدارة القومية الذين أقروه بغالبية سبعة ضد ثلاثة. ومنذ ذلك الحين شاع الانطباع بأن بن غوريون هو من اقترح التسمية.
غير أن أهرون رؤبيني جاء قبل أيام ليخالف هذا الانطباع وليعلن، في صحيفة <هآرتس>، أنه كان أول من استخدم اسم (إسرائيل) علنا. ويبين أنه نشر اقتراحه بالتسمية قبل خمسة شهور من اتخاذ الإدارة القومية قرارها بتبني التسمية.
وبحسب رأيه، فإن البروفيسور شموئيل كرويس اقترح الاسم في الثالث عشر من شباط 1948 في مقالة نشرها في صحيفة <هدوأر>. وقبله كان عدد من الكتاب بينهم البروفيسور طورسيناي اقترحوا الاسم. ولكن رؤبيني يدعي أنه كان قد نشر اقتراحه في صحيفة <بلستاين بوست> و<هيد همزراح> في حزيران وتموز من العام .1947 وأشار إلى أنه عشية اتخاذ الجمعية العمومية للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني العام 1947 قرارا بتقسيم فلسطين، كتب موضحا عيوب الأسماء الكثيرة المقترحة وأفضلية اسم <دولة إسرائيل>.
ويشير رؤبيني إلى أنه نشر في مجلة <الميزان> في الخامس من كانون الأول العام 1947 أفضليات تسمية الدولة الجديدة بـ(إسرائيل). وكتب أنه لا يمكن تسميتها <أرض إسرائيل> لأنها لن تشمل كل بقاع هذه الأرض ولا حتى غالبيتها. وتسمية كهذه في مثل هذا الحال ستتحياتي إلى بلبلة المفاهيم.
وكذلك الحال مع دولة <يهودا> التي لا تجوز فيها هذه التسمية في ظل وقوع كل أراضي <يهودا> في القسم العربي وفق مشروع التقسيم. كما أنه لا يجوز استخدام اسم <صهيون> في ظل غياب جبل صهيون والقدس عن الدولة اليهودية.
ويشرح رؤبيني أن سبب عدم تسمية (إسرائيل) باسم دولة اليهود يعود إلى أن هذا ليس الاسم الأصلي لبني (إسرائيل). وأن اسم اليهود لم يطلق عليهم إلا بعد خراب المملكة الشمالية السامرية. وحينها قالوا إن <يهودا ورثت إسرائيل>، ولكن ليس للأبد. أما تسمية الدولة العبرية فكانت مرفوضة لأنها تعني <العابر> من مكان ما وهم يريدون ترسيخ فكرة أنهم كانوا هنا وما زالوا. عموما رأى المؤرخون في العودة إلى اسم (إسرائيل) توحيدا للفكرة التاريخية بأن ممالك بني (إسرائيل) في أرض فلسطين انقسمت إلى سامرية شمالية عاصمتها نابلس، ويهودية جنوبية عاصمتها القدس.