معلوم أن القضاء والقدر لايتنافى مع الأخذ بالأسباب ، إذا الأخذ بالأسباب واجب ، وتركها معصية ، والاعتماد عليها شرك.
وعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب ، التى توصله اٍلى النتائج ، فهو يأخذ بالأسباب التى تنفعه ، وتنأى به عما يضره ، ويأخذ بالأسباب التى تهديه ولاتضله .
وإذا كان الله عز وجل قد قدر أجله فإنه يأخذ بأسباب النجاة والحياة ، وإذا كان قدر رزقه ، فهو يأخذ بأسبابه بالسعى عليه والضرب فى الأرض ، فإن السماء لاتمطر ذهبا ولا فضة ، وإذا كان قد قدر عمله فهو مطالب بأن يتمثل ما أمر به ، وينتهى عما نهى عنه ، وإذا كان قدر أزلا سعادته أو شقاوته فإنه يجب عليه أن يأخذ بأسباب السعادة ، ويتجنب مزالق الشقاء . وكل ميسر لما خلق له . فليس القدر إجبارا على أن نفعل ، وإنما هو إخبار عن علم الله بكسب العبد وصدوره عن تقدير منه تعالى ، وخلقه له ، وعلمه سبحانه بما سيقع ، من غير تأثير فى إرادة لأن العلم صفة انكشاف لا صفة تأثير . هذا ما ينبغى أن نفهمه عن القدر ، وهو مقتضى فهم الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم أصحابه رضى الله عنهم أجمعين .
وفى الحديث " دخل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً على الإمام على رضى الله عنه بعد صلاة العشاء ، فوجده قد بكر بالنوم ، فقال له : هلا قسمت من الليل ، فقال : يا رسول الله : إن أنفسنا بيد الله ، إن شاء أن يبعثها بعثها ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع وهو يضرب على فخذه ويقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً " رواه البخاري .
وسرق أحد اللصوص ، فلما حضر بين يدى عمر رضى الله عنه ، سأله : لم سرقت فقال : قدر الله ذلك ، فقال عمر رضى الله عنه : اضربوه ثلاثين سوطا ، ثم اقطعوا يده ، فقيل له : ولم ؟ فقال يقطع لسرقته ، ويضرب لكذبه على الله .
إن القدر لايتخذ سبيلاً إلى التواكل ، ولا ذريعة للمعاصي ولا طريقاً إلى القول بالجبر ، وإنما يجب أن يتخذ سبيلاً إلى تحقيق الغايات الكبرى من جلائل الأعمال ، إن القدر يرفع بالقدر ، فيدفع قدر الجوع بقدر الأكل ، وقدر الظمأ بقدر الرى ، وقدر المرض بقدر العلاج والصحة ، وقدر الكسل بقدر النشاط والعمل .
ويذكر أن أبا عبيدة بن الجراح رضى الله عنه ، قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما فر من الطاعون : أتفر من قدر الله ، قال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله الى قدر الله . رواه البخاري
أى يفر من قدر المرض والوباء إلى قدر الصحة والعافية ، ثم ضرب له مثلا بالأرض الجدباء والأرض الخصبة ، وأنه إذا أنتقل من الأرض الجدباء إلى الأرض الخصبة لترعى فيها إبله ، فإنه ينتقل من قدر الى قدر .
لقد كان يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أن يستكينوا كما يستكين الضعفاء الواهنون معللين أنفسهم بالفهم المغلوط الذى يتعلل به الفاشلون ، ولكنه جاء يكشف عن وجه الصواب فلم يهن ولم يضعف ، واستعان بالقدر على تحقيق رسالته الكبرى ، ملتزماً سنة الله فى نصره لعباده .
فقاوم الفقر بالعمل ، وقاوم الجهل بالعلم ، وقاوم المرض بالعلاج ، وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد ، وكان يستعيذ بالله من الهم والحزن ، والعجز والكسل .
وما غزواته المظفرة إلا مظهر من مظاهر إرادته العليا التى تجرى حسب مشيئة الله وقدره . هذا هو القَدرُ الذى ينبغى أن نعرفه عن القَدَرِ ، وما وراء هذه المعرفة عنه فلا يحل لنا البحث فيه ولا التنازع فى شأنه ، فإن هذا من أسرار الله التى لاتحيط العقول بها ، ولا تدركها الأفكار .
المصدر: كتاب حقيقة الإيمان
د: عمربن عبد العزيز قرشي[/b]
وعلى الإنسان أن يأخذ بالأسباب ، التى توصله اٍلى النتائج ، فهو يأخذ بالأسباب التى تنفعه ، وتنأى به عما يضره ، ويأخذ بالأسباب التى تهديه ولاتضله .
وإذا كان الله عز وجل قد قدر أجله فإنه يأخذ بأسباب النجاة والحياة ، وإذا كان قدر رزقه ، فهو يأخذ بأسبابه بالسعى عليه والضرب فى الأرض ، فإن السماء لاتمطر ذهبا ولا فضة ، وإذا كان قد قدر عمله فهو مطالب بأن يتمثل ما أمر به ، وينتهى عما نهى عنه ، وإذا كان قدر أزلا سعادته أو شقاوته فإنه يجب عليه أن يأخذ بأسباب السعادة ، ويتجنب مزالق الشقاء . وكل ميسر لما خلق له . فليس القدر إجبارا على أن نفعل ، وإنما هو إخبار عن علم الله بكسب العبد وصدوره عن تقدير منه تعالى ، وخلقه له ، وعلمه سبحانه بما سيقع ، من غير تأثير فى إرادة لأن العلم صفة انكشاف لا صفة تأثير . هذا ما ينبغى أن نفهمه عن القدر ، وهو مقتضى فهم الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم أصحابه رضى الله عنهم أجمعين .
وفى الحديث " دخل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً على الإمام على رضى الله عنه بعد صلاة العشاء ، فوجده قد بكر بالنوم ، فقال له : هلا قسمت من الليل ، فقال : يا رسول الله : إن أنفسنا بيد الله ، إن شاء أن يبعثها بعثها ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع وهو يضرب على فخذه ويقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً " رواه البخاري .
وسرق أحد اللصوص ، فلما حضر بين يدى عمر رضى الله عنه ، سأله : لم سرقت فقال : قدر الله ذلك ، فقال عمر رضى الله عنه : اضربوه ثلاثين سوطا ، ثم اقطعوا يده ، فقيل له : ولم ؟ فقال يقطع لسرقته ، ويضرب لكذبه على الله .
إن القدر لايتخذ سبيلاً إلى التواكل ، ولا ذريعة للمعاصي ولا طريقاً إلى القول بالجبر ، وإنما يجب أن يتخذ سبيلاً إلى تحقيق الغايات الكبرى من جلائل الأعمال ، إن القدر يرفع بالقدر ، فيدفع قدر الجوع بقدر الأكل ، وقدر الظمأ بقدر الرى ، وقدر المرض بقدر العلاج والصحة ، وقدر الكسل بقدر النشاط والعمل .
ويذكر أن أبا عبيدة بن الجراح رضى الله عنه ، قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما فر من الطاعون : أتفر من قدر الله ، قال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله الى قدر الله . رواه البخاري
أى يفر من قدر المرض والوباء إلى قدر الصحة والعافية ، ثم ضرب له مثلا بالأرض الجدباء والأرض الخصبة ، وأنه إذا أنتقل من الأرض الجدباء إلى الأرض الخصبة لترعى فيها إبله ، فإنه ينتقل من قدر الى قدر .
لقد كان يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أن يستكينوا كما يستكين الضعفاء الواهنون معللين أنفسهم بالفهم المغلوط الذى يتعلل به الفاشلون ، ولكنه جاء يكشف عن وجه الصواب فلم يهن ولم يضعف ، واستعان بالقدر على تحقيق رسالته الكبرى ، ملتزماً سنة الله فى نصره لعباده .
فقاوم الفقر بالعمل ، وقاوم الجهل بالعلم ، وقاوم المرض بالعلاج ، وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد ، وكان يستعيذ بالله من الهم والحزن ، والعجز والكسل .
وما غزواته المظفرة إلا مظهر من مظاهر إرادته العليا التى تجرى حسب مشيئة الله وقدره . هذا هو القَدرُ الذى ينبغى أن نعرفه عن القَدَرِ ، وما وراء هذه المعرفة عنه فلا يحل لنا البحث فيه ولا التنازع فى شأنه ، فإن هذا من أسرار الله التى لاتحيط العقول بها ، ولا تدركها الأفكار .
المصدر: كتاب حقيقة الإيمان
د: عمربن عبد العزيز قرشي[/b]