ركبت السيارة ، كشفت الغطاء عن وجهها وأصلحت من حال عباءتها ، تأكدت من حقيبتها
الهاتف النقال ، المال ، عطرها .... لم تنس شيء ....

انطلقت السيارة بهدوء نحو صالون التجميل ، وتجولت هي بنظرها ...

وقفت السيارة ، ارجع إلينا الساعة الثانية عشر ...



النساء كثير في الداخل ، لا بأس فأنا عميلة دائمة ومميزة

لابد أن تراعي صاحبة الصالون هذا الأمر وإلا

استقبال حافل ، تبادلن الابتسامات ، ذهب الخوف ، لن نتأخر كثيراً ...

هذا حمام زيتي ، انتظري ساعة ...

مجلة أزياء ، عرض لبعض التسريحات ، قلبت الصفحات تنقلت بين المجلات المختلفة...

مضت الساعة ، ارتفع آذان المغرب ، أسلمت نفسها لمصففة الشعر

جففت شعرها ، غاب الآذان ، ومضت الصلاة ...

إزالة الشعر وتنظيف البشرة ، أنصتت لموسيقى هادئة ، تحولت لأخذ حمام مائي ...

ارتفع الآذان ، إنها صلاة العشاء ، لم يتبق على الفرح سوى بضع ساعات ...

وضعت رأسها بين يديّ المصففة ، اختارت التسريحة ، تناثر الشعر بين يديها ، يودعها وداعاً حزيناً

ألقت نظرة إلى المرآة لم تعرف نفسها ، ارتسمت ابتسامة على شفتيها ، لن يسبقني أحد ...

رسمت وجهها لطخته بالألوان ، تغيرت ملامحها ، نظرت إلى الساعة

الواحدة ، ألقت العباءة على كتفها ، وبحذر شديد و ضعت الغطاء على رأسها ...

ركبت السيارة ... إلى المنزل بسرعة لقد تأخرت ...

لبست فستانها ، تعرت من حياءها ، بدت بطنها ، وسائر ظهرها

أنكمش الفستان عن ركبتيها ، دارت حول نفسها ، لن يغلبني أحد ...



العيون ترقبها ، الكل يتأملها ، نظرات الإعجاب تحيط بها ، تقترب منها ...

نظرات السخط تنفر منها ، تغمض عينيها تقززاً من حالها ...

السفيهات يلاحقنها بالتعليقات الساخرة ...

رقصت على أنغام الموسيقى ، اهتز جسدها ...

تنوعت الأغاني وتنوع رقصها ... لم يسبقها أحد ، ولم يغلبها أحد ...

الكل يتابعها ، الكل يتحدث عنها ...

من أين أتت بكل هذا ؟

كيف تعلمت كل هذا ؟ وكيف حفظت كل هذه الأغاني ؟ الكل يعرف الإجابة ...



توقفت عن الرقص ، سقطت على الأرض ، ارتفع الصراخ

تدافع النساء إلى المسرح ، نادوها فلم تجب ، حركوها فما تحركت

ارتفع الصراخ ، حملوها ، أحضروا الماء ، مسحوا وجهها ، بكت الأم والأخوات

ارتفع العويل ، علا النحيب ، تدخل الأب والأخ

اختلطت الأمور تحول الفرح إلى حزن ، والضحكات إلى بكاء ، توقف كل شيء ...

ألبسوها ... غطوا ما ظهر من جسدها ...

حضر الطبيب ، أمسك بيدها ، وضع سماعته على صدرها

أرخى رأسه قليلا ، انطلقت الكلمات من شفتيه لقد

ماتت ... لقد ماتت ...



ارتفع النحيب ، جرت الدموع ...


ألقت الأم بجسدها على صغيرتها الجميلة

أخفى الأب وجهه بين يديه ، الأخ يدافع عبراته

خلاص يا أمي خلاص ...

قامت الأم مذهولة ، صرخت ، لقد تحركت ، تحولت الأنظار نحوها

لقد جنت ، لقد ماتت هكذا قال الطبيب ...

أسرع الأب والأخ والأخوات نحو الأم ...

المشهد رهيب ، والمنظر مؤلم ...

سقطت الأم على الأرض...

الأخوات فقدن السيطرة على مشاعرهن ...

والأخ يصرخ ... لا ... لا ... مستحيل ...

تجلد الأب ، أمسك بالأخ ، وبلهجة حازمة أخرج الأخوات

وهن يحملن أمهن ...

حضر بعض النسوة من الأسرة ...

نظروا إلى الميتة ، ترقرقت الدموع ، وضعت الكبيرة منهن يدها على رأسها

انطلقت منها كلمة : فضيحة ... فضيحة ...

أسرعت نحو الأب ، يجب أن تستر عليها ، أحضروا المغسلة هنا

ادفنوها بين الصلوات ، إنها فضيحة ، ماذا يقول الناس عنا ...

أرخى الأب رأسه ، نعم ، نعم ...

إنا لله وإنا إليه راجعون ...



جاءت المغسلة ، جهزت سرير الغسل ، وضعت الأكفان والطيب ، جهزت الماء ...

أين جثة المتوفاة ؟...

سارت العمة أمامها ، فتحت الباب ...

الفتاة على السرير مغطاة بغطاء سميك ..

وبجانب السرير وقفت الأم تكفكف دموعها ...

أمسكت بورقة الوفاة ، الاسم ............ العمر : ثمانية عشر عام

سبب الوفاة : سكتة قلبية ...

شعرت بالحزن ، نطقت بكلمات المواساة للجميع ...

كشفت الغطاء ، تحول الحزن إلى غضب ، لماذ تركتموه على هذا الوضع

لقد تصلبت أعضائها ، كيف نكفنها ...

الحاضرات لم يستطعن الإجابة ، سكتن قليلاً ...

زاد حنق المغسلة ، انبعث صوت الأم ممزوجاً بالبكاء ...

لم تكن هكذا حينما ماتت ، لقد اتخذت هذا الوضع بعد لحظات من موتها ...

لقد سقطت على المسرح وهي ترقص

حملناها جثة هامدة ، حضر الطبيب ، كتب التقرير

أيقنت حينها بأنني قد فارقت ابنتي ، ألقيت بجسدها عليها

رحت أقبلها ، وأبكي ، شعرت بيدها اليمين ترتفع

ويدها اليسرى تعود وراء ظهرها ، أما قدمها اليسرى فقد تراجعت للوراء

أرعبني الموقف ، صرخت حينها ثم سقطت على الأرض

لأجد نفسي في غرفتي ومن حولي بناتي يبكين أختهن

ويبكين نهايتها المؤلمة ...

انتحبت بالبكاء ، أنا السبب أنا من فرط في تربيتها

أنا من غشها ، ياويلي وياويلها من عذاب الله ياويل أباها وياويلنا جميعاً ...

كانت تحب الرقص والغناء ، فماتت ......

وستدفن في قبرها ........ يارب ارحمها يارب ارحمني يارب اغفر لها ...

محاولات لأعادة جسدها إلى وضعه الطبيعي ، الفشل كان النتيجة ...

بذلت المغسلة مجهوداً جباراً في تكفينها ...

وفي لحظة هدوء وبعيداً عن العيون ، نقلت الجنازة إلى المقبرة ...

وهناك صلى عليها الأب والأخ وبعض المقربين ...

نعم لقد دفنت وهي في وضع راقص ...



اللهم ثبتنا عند الموت