يقدم الطفل كل ما لديه لضيوفه وهو في الشهر الثامن عشر من عمره أو أكثر لكنه عندما يكبر يحرسها ويحرص عليها وتبدأ تخرج من فمه عبارات التملك: (هذا لي)، (إنها لي وحدي..)، جمل يرددها الطفل في هذا العمر.
وتقوم الحرب عند قدوم الضيوف خصوصا الأطفال الذين يرغبون في مشاركة طفلك، للهو والمرح، هنا يبرز السؤال: كيف تساعدين طفلك على تقديم ألعابه لغيره؟ لماذا يصعب على طفلك إعارة لعبته؟
أسئلة سوف نجيب عليها من خلال دراسة التطور النفسي للطفل والمؤثرات الخارجية على نفسيته وتكونه.
يعير الطفل الذي لم يتجاوز بعد السنتين كل ما يملكه لأصدقائه دون حساب فما زال مفهوم التملك لديه شيئاً غامضاً.
يقول أحد الأخصائيين النفسيين (إن الطفل في هذا العمر لا يتعلق بالأشياء التي يمتلكها وان كل شيء بالنسبة له آني ووقتي وكذلك رغباته مؤقتة).
يظهر مفهوم التملك عند الطفل حينما يبلغ الثانية من العمر ففي هذا السن يبدأ بالتفريق بين ما هو عائد له وما ليس له علاقة به، وتتطور غريزة التملك لديه خلال السنة الثالثة ففي هذه الفترة تكون عملية الإعارة صعبة جدا، حيث يتوحد مفهوم التملك والذات لديه فيعرف الطفل من خلال ما يمتلكه، مقتنياته الشخصية التي هي جزء لا يتجزأ من عالمه الذي يعيش فيه ويتطور في محيطه، إذ لا يعرف الطفل ما تعنيه الإعارة بعد.
أهمية مفهوم الزمن
إن مفهوم الزمن مغيب عنه فبالنسبة له الإعارة هي العطاء الكلي والنهائي ولا يدرك بعد إن كانت لعبته ستعود له أم لا ومتى.
إذا ما العمل ؟
لا توجد فترة زمنية معينة يتم فيها تعليم الطفل وتدريبه على الكرم لكننا نستطيع تعليمه وتدريبه على العطاء من خلال أمثلة نقدمها له، ولكن الإصرار على تعليم الطفل أصول الإعارة لا فائدة منه ما لم يدرك الطفل معنى، الماضي، والحاضر والمستقبل من خلال معرفة مفهوم الزمن، كأن يعرف مثلا أنه سيأكل الآن وبعد لحظات سيتنزه ومن ثم يشتري.. وهكذا نستطيع إفهامه وتعليمه أن ما يعيره الآن يستطيع استرداده غدا.
كذلك فإن تدخل الكبار في النزاع على لعبة بين طفلين أمر ضروري وحتمي لعقد اتفاق بين الطرفين (أنت تعيره قاطرتك اليوم وهو سيعيرك كرته..) وفي السنة الثانية والثالثة تعطى الأولوية لنمو الطفل وتفضل على التعلم والتدريب وتكون المقايضة أو المفاوضة على مقتنياته أمراً لا فائدة منه كأن نقول له (إذا أعرت ستكسب أصدقاء) إنها ليست إلا طريقة تجارية تعطي الحب والمحبة مفهوما تجاريا بحتا.
وتبقى إعارة صديق أسهل بكثير من إعارة أخت أو أخ له، فكثيرا ما جاء على لسان الطفل هذه الجملة (أخذت أبي مني ولكنك لن تستطيع أخذ ألعابي).
السنة الثالثة.. سنة التملك
وفي السنة الثالثة يكون تمسك الطفل بممتلكاته الشخصية أكثر قوة، وتمثل عملية الإعارة بالنسبة له الخطر الأكبر، وتتشكل لديه في بعض الأحيان ردود أفعال سلبية، يحذر منها الأخصائيين النفسيون فيدعي الكذب كي يتنصل من موضوع الإعارة (أنا كاذب..) (أنا لست بمقترض..) وهذا يستوجب التدخل من قبل الكبار لتعليمه وإفهامه (أنت لا تستطيع إعارته الآن لكنك تستطيع أن تقدمه في وقت آخر).
وما أن يبلغ الرابعة حتى تتكون شخصيته وتستقل ذاته ويصبح كائناً اجتماعياً فيفضل اللعب مع أصدقائه على اللعب مع ألعابه وتتردد على لسانه الكلمات: (أعيرك.. تعيرني..) ويدخل عملية المبادلة إلى حياته وتصبح جزء من سلوكه اليومي.
أما الطفل الذي يرفض إعارة صديقه واحدة من ممتلكاته وهو في السنة الخامسة من عمره إنما يعبر عن أنانية داخلية وشعور بعدم الثقة بكلام الآخر، ونجد هذه الظاهرة عند الأطفال الذين خدعوا كثيرا بوعود آبائهم الكاذبة لهم، الأمر الذي يفقد الطفل ثقته بالآخرين، ويجعله حذرا في شبابه ومكتئبا في بعض الحالات وهذا ما يحذر منه الأخصائيون والاستشاريون.
وقد يخفي رفض الإعارة أنانية عميقة وقلقا دائما يجعل من كل عملية انفصال سواء عن غرض أو كائن أمراً صعب التجاوز.
ويبقى تقسيم الهدية أو اللعبة بين الطفلين من أفضل الحلول وأسلمها للأطفال الذين يبلغون من العمر الثالثة أو أقل منها، فهو عمل يتضمن الكثير من فعل الكرم والتفكير والإرادة في آن واحد ويجلب السعادة والمحبة للطرفين.
وأخيراً، ينصح الأخصائيون النفسيون بضرورة تهنئة الطفل ومباركته عند كل عملية إعارة لإحدى مقتنياته الشخصية، وشكره بحرارة على كل عمل كريم يؤديه، ولا تنسوا أن الكبار يضربون المثل للصغار بمواقفهم وعطاءاتهم الكريمة.