نعيش اليوم واقعا مريرا مليئاً بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ساهم في صناعته من ابتدع الشائعات وصدقها من استسلم لها وللتبعات.. فالشائعات كانت وراء كل ذلك.. فقديما صنعت الشائعات من فرعون إلهاً فصدقوه وعبدوه كأكبر إشاعة عقدية وحديثاً ولدت فينا اسرائيل كأكبر كذبة سياسية فكرية تلبس ثوب العقيدة والمبدأ الهالك والآن نقدم على حرب عالمية ثالثة حضارية وفكرية ودينية وعسكرية تدق طبولها الآن والسبب كله أننا صدقنا الشائعات فصنعت من الآخرين أسداً شرسا ومن بني قومنا حملاً وديعاً سائغ اللقمة والطعم.. إنها الشائعة.... فما هي وكيف ولدت وكيف دعمت وصارت واقعاً.. في هذا الحديث عزيزي القارىء دعنا نتعرف على ملامح من ذلك..
ماهية الشائعة
تعني الشائعة في اللغة انتشار الخبر دون التثبت فيه، أما اصطلاحاً فهي تدخل في تعريفات كثيرة تختلف باختلاف البيئة التي تتعامل معها كعلم.. من التعريفات التي ذكرها بعض الباحثين ان الشائعة رواية تتناقلها الافواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها أو أنها اختلاق لقضية أو خبر ليس له على أرض الواقع وجود. الباحثان جوردن أولبورت Allport. w. g وليوبوستمان Postman Leo عرَّفا الشائعة على أنها (كل قضية أو عبارة موضعية نوعية مطروحة للتصديق وهي تتداول من فرد الى آخر بالكلمة الشفهية في العادة دون ان تستند الى دلائل مؤكدة على صدقها وتحتوي كل شائعة دائماً على شيء من الحقيقة).
أما أكثر التعاريف الرائجة عن الشائعة فهي أنها رواية مصطنعة عن شخص أو جماعة أو دولة يتم تداولها شفهياً أو إعلامياً.
ميلاد الشائعة وتطورها التاريخي
*. وقد تطورت الشائعة عبر الأزمان على حسب الهدف المنشود. ففي إشاعة إبليس اللعين لأبينا آدم كان ذلك بدافع الحسد الذي ولَّده في نفسه الكِبر والتعالي على أن الله خلقه من نار وخلق آدم عليه السلام من طين ولذا عصا أمر الله له بالسجود لآدم. وعندما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أشيع في قومه أنه كاذب رغم معرفتهم بأمانته التي عُهد بها فاستخدموها في مواقع كثيرة بقصد النيل منه، في غزوة أحد أشيع مقتله على لسان أبي سفيان بن حرب ولولا لطف الله بالمسلمين لنالت منهم الشائعة كل منال، وقد انبرى فيما بعد المنافق عبدالله بن ابي سلول بإشاعة حادثة الإفك وكم آلمت الرسول صلى الله عليه وسلم وأحزنته ولكن الله حسمها وحياً ينزل على رسوله الكريم.
وهكذا كانت تسير قوافل الشائعات في الحرب والسلم الى زماننا هذا، ففي الحرب العالمية الثانية كانت تستخدم الاذاعات من داخل المانيا أو على حدودها لإعلان معارضة هتلر ونظامه النازي بينما كان الهدف الحقيقي خداع اعداء هتلر ونظامه وبث الشائعات لتحطيم الروح المعنوية لديهم، وقد حدث ما يشبه ذلك في إحدى محطات فرنسا على لسان شخص يدعى فرودنيت الذي كان يزعم انه فرنسي محب لوطنه بتوجيه أقذع النعوت الى حكومته التي يدّعي أنها تتمتع بكل مباهج الحياة بينما الجنود يعانون ويلات الظروف القاسية، وهناك شائعة أخرى أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية تتلخص في أن أسيراً أمريكياً كان معتقلا في معسكر الماني ارسل خطاباً لأسرته يفيد بأن آسريه قطعوا لسانه وقد كانت هذه الشائعة تنافي الحقيقة حيث إن الخطاب عليه طوابع بريد في حين ان خطابات الأسرى لا توضع عليها طوابع بريد وأكبر كذبة نعيشها الآن هي كذبة اسرائيل الكبرى التي أدعت بأن فلسطين هي وطنها كما أدعت أن هيكل النبي داود عليه السلام معروف المكان والاثر في القدس وهذه أم الشائعات التي روج لها الغرب كثيراً واسرائيل بصفة خاصة وأصبحت واقعاً نعيشه بكل أصناف الصلف والعذاب والتشريد لإخواننا في فلسطين الجريحة.
أساليبب نشر الشائعة
إن مصدر الشائعة في الماضي كان فقط الكلمة المنطوقة كأول أسلوب اتبعه الإنسان في نقل شائعته الى الجهة التي يستهدفها ومن ثم يبحث عن طريقة انتقال هذه الشائعة المنطوقة كمثل تبادل الحديث في الجلسات المتنوعة أو إرسالها عبر وسائل الانتقال البدائية كالحيوانات التي يستخدمها كوسيلة للترحال أو حتى سيراً على الأقدام عبر الوهاد والجبال.
غير أن اسلوب انتشار الشائعة تطور عبر السنين الى وسائل عصرية تواكب زمنها.. خاصة بعد اكتشاف الهاتف إلى جانب الفشكرا والتلكس ومن ثم وسائل الاعلام المختلفة كالصحافة المكتوبة، فالمسموعة، فالمرئية كالاذاعة ومحطات التلفزة ووكالات الأنباء. وأخيراً الشبكة العنكبوتية التي جعلت العالم قرية صغيرة.. وبالتالي ازدادت سرعة انتشار الشائعة بازدياد التقنية المستخدمة كوسيلة.. فبواسطة البريد الالكتروني يمكن الان ارسال كمية هائلة من المواد والمعلومات خلال وقت قصير بين المرسل والمستقبل. وقد تشمل هذه المواد الصور والرسومات والمخططات الإيضاحية التي تساعد في زيادة قناعة المتلقي كما يمكن برمجة الحاسوب ليقوم بهذه المهمة خير قيام. ويتضح اهمية تكنولوجيا العصر الحديث في ازدياد سرعة انتشار الشائعة كما تفعل الولايات المتحدة الآن حيث تستخدم شبكة الانترنت والأقمار الصناعية في تثبيت دعواها المتعلقة بوجود دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق، ويمكن لها وقد فعلت جمع المعلومات بسرعة الانترنت الفائقة ودعمتها بالصور لتدعم شائعتها بالدليل المصطنع ولذلك لم يعد الآن هناك أية إشكالية في نقل ورسم الشائعة وبأي سرعة تريد.
أنواع الشائعات
يشير الدكتور ساعد العرابي الحارثي إلى أن الشائعات تختلف في أنواعها بحسب محتواها، فهناك اشاعات الرعب التي تهدف إلى بث الخوف والرعب في أنفس الجنود والمدنيين على حد سواء والغرض من جراء ذلك محاولة إجبار هؤلاء على الهروب أو الاستسلام. وهناك اشاعات متعلقة بالأوبئة والأمراض ومدى انتشارها وحجم خطورتها وتخويف الناس منها أو تخويف الناس من استعمال أغراض معينة ذات صلة في الحياة اليومية. ومن أنواع الإشاعات أيضاً تلك المتعلقة بسوء سيرة شخص ما وهذه تنتشر خصوصاً في أوساط الفنانين والرياضيين والتجار. اضافة إلى وجود نوع آخر يمكن تسميته بالشائعات الوردية أو الحالمة والتي تعكس رغبة الناس في تحقيق أمنية أو تقريب شيء بعيد المنال لهم. وهناك نوع آخر من الشائعات يأتي على شكل النكتة والغرض منه السخرية بشخص ما وانتقاده بشكل لاذع.
ويوجد تقسيم آخر لمثل هذه الإشاعات على أساس الهدف الذي يكمن من وراء نشر هذه الإشاعات فهناك إشاعات تهدف إلى إطلاق الشرارة الأولى لحدوث المظاهرات والمشاجرات وإذكاء نارها، وهناك إشاعات جس نبض الجماهير والتي تستعمل لرصد ردود فعل الجماهير وقياس رأيهم العام.. وهناك اشاعات «سُحُب الدخان» أو «الخداع» وهي التي يتم توظيفها كستار من الدخان لإخفاء بعض النوايا لخداع العدو. وأخيراً هناك الإشاعات الهدامة أو ما يُسمى ب«اشاعات دق الإسفين» والتي تعمل على مبدأ «فَرِّق تَسُد».
واجمالاً يمكن وضع الشائعات داخل ثلاثة أطر: الاجتماعي، الاقتصادي، والسياسي.. وما يعنينا في هذا التحقيق هوالإطار السياسي المرتبط بالإشاعات.
الإشاعات السياسية
عند الحديث عن الإشاعة ذات الطابع السياسي لابد من التأكيد على أهمية التعامل مع جانبين هنا هما: السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، إذ إن طبيعة الشائعة المستخدمة في أوساط السياسة الداخلية تختلف عنها في أوساط السياسة الخارجية. ويكثر استخدام الشائعات في اوساط السياسة الداخلية داخل الأنظمة الديموقراطية وخصوصاً في أوقات الانتخابات بهدف الكسب السياسي للأحزاب والنيل من قادة الأحزاب المنافسة عن طريق البحث في ماضي مرشح الحزب المنافس وتضخيم الأمر. وإذا كانت هذه الشائعات تنتشر في الأوساط الديموقراطية ذات الطبيعة الإعلامية والتخاطبية الحرة، فما بالك بالبلدان التي تنعدم فيها حرية الرأي والنشر، إذ يجد فيها أصحاب الشائعات مرتعاً خصباً لبث سمومهم وسوقاً رائجة لتسويق بضاعتهم من الشائعات وهو ما يمثل مصدر خطر على مثل هذه الدول التي تفتقر إلى الشفافية ومقدار الحرية الكفيل بالوقوف في وجه الشائعات، ويمثل الاتحاد السوفييتي سابقاً حالة نموذجية ومثالاً واضحاً على ذلك.
أما في مجال السياسة الخارجية، فإن الشائعات كانت ولا تزال احد أشد معاول الهدم والتحطيم خطراً وخصوصاً في اوقات الحروب. وهذا النوع من الشائعات، كما أشرنا من قبل، يمثل جزءاً من الحرب النفسية وحرب المعلومات التي تهدف إلى التأثير المباشر على العقول وتستهدف ايضاً اصحاب صنع القرار واتخاذه في الحكومات والقادة العسكريين ايام الحروب بغرض التأثير على توجيه معتقداتهم وسلوكياتهم وإدراكهم بشكل يخدم الطرف الذي ينشر الشائعة. وهكذا فإن الشائعة ما هي إلا جزء من النشاطات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية التي تمارسها بعض الدول ضد البعض الآخر وتأخذ هذه الشائعات أشكالاً متنوعة تتراوح بين الاتهامات الوحشية للأفراد أو نشر معلومات تسيء إلى سمعتهم أو الاستقطاب «إن لم تكن معي فأنت ضدي» والحقيقة ان استخدام الحرب النفسية كسلاح فعال في المواجهات له جذور تاريخية ممتدة فالقائد الصيني «صن تزو» عبر كتابه «فن الحرب» يشير إلى أمكانية تحقيق الانتصارات من دون قتال وعبر احتلال عقول الخصم.. بل ويذهب «صن تزو» إلى التأكيد على أهمية تدمير رغبة العدو في الجهاد وإحباط نفسيات أفراده.
استخدام الشائعات في الحروب
في العهد الأول من البشرية المتحاربة كانت الحرب تبدأ بكلمة هنا وأخرى هناك وكانت تستخدم الشائعة آنذاك قبل خوض الحروب أو أثناءها أو حتى بعدها لكي تكون سبباً في إخافة العدو من خلال بث الصفات التي تدعم الموقف القوي فقد كان الجاهليون يستخدمون أشعارهم لوصف القبيلة وقائدها من حيث الشجاعة والمروءة والإقدام والعدد ومراسهم في الحروب.
وقد نذكر حرب البسوس التي كان بدؤها بالشائعات تنقل هنا وهناك وكيف استطاعت المرأة البسوس أن تنقل كلاماً إلى الحاكم عن جمال الجليلة ليتزوجها عنوة ولكن الزواج ينتهي بموت الحاكم وفوز كليب بها ومن ثم يأتي دور كليب الذي أصبح حاكماً على قبيلة تغلب ولكن البسوس زرعت شيئاً في نفسه حيال أخيه المهلهل وتمضي الايام لتزرع الفتنة بين كليب وأهل نسبه بعد مقتل ناقتها التي كان قد منعها من أن ترعى مع أنعامه.
إن مسيرة استخدام الشائعات في الحروب تمضي الى يومنا هذا وقد مضت عبر عصور متعددة مروراً بحروب الكافرين والمنافقين في فجر الإسلام الأول باستخدام الشائعات كمثل اشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة احد بغرض محاربة المسلمين معنويا ونفسيا إلى دخول العرب المسلمين إلى أوروبا وتأسيس الاندلس إلى غزو المستعمر دول العالم الثالث ولكن تستوقفنا أكبر شائعة شهدها التاريخ وهي ادعاء إسرائيل بأن فلسطين هي موطنهم والمتابع للصراع العربي/ الإسرائيلي يجد ان إسرائيل قد حاربت العرب عسكرياً ونفسياً متسببة بشائعات ترتبط بالفكر او العقيدة أو المبدأ كجزء من الحرب النفسية وهي عموماً حرب على الأرض والمبادىء وقد شعرت إسرائيل بأن استخدام الشائعة في هذه الحرب أكثر وقعاً ونفعاً وأقل تكلفة ولذلك قالت (دائماً نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية لتدمر موقعا واحداً من مواقع العدو، ولكن أليس من الأفضل أن نستعمل الدعاية والحرب النفسية لشل الاصابع التي تضغط على زناد المدفع) ومن أجل ذلك دأبت اسرائيل على نشر شائعاتها عن جيشها وقوته التي لا تهدم ولا تقهر، وعن خط بارليف الذي يمثل قلعة لا يمكن عبورها، إلى غير ذلك من شائعات تتعلق بالحق التاريخي لليهود في فلسطين.
ماهية الشائعة
تعني الشائعة في اللغة انتشار الخبر دون التثبت فيه، أما اصطلاحاً فهي تدخل في تعريفات كثيرة تختلف باختلاف البيئة التي تتعامل معها كعلم.. من التعريفات التي ذكرها بعض الباحثين ان الشائعة رواية تتناقلها الافواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها أو أنها اختلاق لقضية أو خبر ليس له على أرض الواقع وجود. الباحثان جوردن أولبورت Allport. w. g وليوبوستمان Postman Leo عرَّفا الشائعة على أنها (كل قضية أو عبارة موضعية نوعية مطروحة للتصديق وهي تتداول من فرد الى آخر بالكلمة الشفهية في العادة دون ان تستند الى دلائل مؤكدة على صدقها وتحتوي كل شائعة دائماً على شيء من الحقيقة).
أما أكثر التعاريف الرائجة عن الشائعة فهي أنها رواية مصطنعة عن شخص أو جماعة أو دولة يتم تداولها شفهياً أو إعلامياً.
ميلاد الشائعة وتطورها التاريخي
*. وقد تطورت الشائعة عبر الأزمان على حسب الهدف المنشود. ففي إشاعة إبليس اللعين لأبينا آدم كان ذلك بدافع الحسد الذي ولَّده في نفسه الكِبر والتعالي على أن الله خلقه من نار وخلق آدم عليه السلام من طين ولذا عصا أمر الله له بالسجود لآدم. وعندما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أشيع في قومه أنه كاذب رغم معرفتهم بأمانته التي عُهد بها فاستخدموها في مواقع كثيرة بقصد النيل منه، في غزوة أحد أشيع مقتله على لسان أبي سفيان بن حرب ولولا لطف الله بالمسلمين لنالت منهم الشائعة كل منال، وقد انبرى فيما بعد المنافق عبدالله بن ابي سلول بإشاعة حادثة الإفك وكم آلمت الرسول صلى الله عليه وسلم وأحزنته ولكن الله حسمها وحياً ينزل على رسوله الكريم.
وهكذا كانت تسير قوافل الشائعات في الحرب والسلم الى زماننا هذا، ففي الحرب العالمية الثانية كانت تستخدم الاذاعات من داخل المانيا أو على حدودها لإعلان معارضة هتلر ونظامه النازي بينما كان الهدف الحقيقي خداع اعداء هتلر ونظامه وبث الشائعات لتحطيم الروح المعنوية لديهم، وقد حدث ما يشبه ذلك في إحدى محطات فرنسا على لسان شخص يدعى فرودنيت الذي كان يزعم انه فرنسي محب لوطنه بتوجيه أقذع النعوت الى حكومته التي يدّعي أنها تتمتع بكل مباهج الحياة بينما الجنود يعانون ويلات الظروف القاسية، وهناك شائعة أخرى أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية تتلخص في أن أسيراً أمريكياً كان معتقلا في معسكر الماني ارسل خطاباً لأسرته يفيد بأن آسريه قطعوا لسانه وقد كانت هذه الشائعة تنافي الحقيقة حيث إن الخطاب عليه طوابع بريد في حين ان خطابات الأسرى لا توضع عليها طوابع بريد وأكبر كذبة نعيشها الآن هي كذبة اسرائيل الكبرى التي أدعت بأن فلسطين هي وطنها كما أدعت أن هيكل النبي داود عليه السلام معروف المكان والاثر في القدس وهذه أم الشائعات التي روج لها الغرب كثيراً واسرائيل بصفة خاصة وأصبحت واقعاً نعيشه بكل أصناف الصلف والعذاب والتشريد لإخواننا في فلسطين الجريحة.
أساليبب نشر الشائعة
إن مصدر الشائعة في الماضي كان فقط الكلمة المنطوقة كأول أسلوب اتبعه الإنسان في نقل شائعته الى الجهة التي يستهدفها ومن ثم يبحث عن طريقة انتقال هذه الشائعة المنطوقة كمثل تبادل الحديث في الجلسات المتنوعة أو إرسالها عبر وسائل الانتقال البدائية كالحيوانات التي يستخدمها كوسيلة للترحال أو حتى سيراً على الأقدام عبر الوهاد والجبال.
غير أن اسلوب انتشار الشائعة تطور عبر السنين الى وسائل عصرية تواكب زمنها.. خاصة بعد اكتشاف الهاتف إلى جانب الفشكرا والتلكس ومن ثم وسائل الاعلام المختلفة كالصحافة المكتوبة، فالمسموعة، فالمرئية كالاذاعة ومحطات التلفزة ووكالات الأنباء. وأخيراً الشبكة العنكبوتية التي جعلت العالم قرية صغيرة.. وبالتالي ازدادت سرعة انتشار الشائعة بازدياد التقنية المستخدمة كوسيلة.. فبواسطة البريد الالكتروني يمكن الان ارسال كمية هائلة من المواد والمعلومات خلال وقت قصير بين المرسل والمستقبل. وقد تشمل هذه المواد الصور والرسومات والمخططات الإيضاحية التي تساعد في زيادة قناعة المتلقي كما يمكن برمجة الحاسوب ليقوم بهذه المهمة خير قيام. ويتضح اهمية تكنولوجيا العصر الحديث في ازدياد سرعة انتشار الشائعة كما تفعل الولايات المتحدة الآن حيث تستخدم شبكة الانترنت والأقمار الصناعية في تثبيت دعواها المتعلقة بوجود دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل بالعراق، ويمكن لها وقد فعلت جمع المعلومات بسرعة الانترنت الفائقة ودعمتها بالصور لتدعم شائعتها بالدليل المصطنع ولذلك لم يعد الآن هناك أية إشكالية في نقل ورسم الشائعة وبأي سرعة تريد.
أنواع الشائعات
يشير الدكتور ساعد العرابي الحارثي إلى أن الشائعات تختلف في أنواعها بحسب محتواها، فهناك اشاعات الرعب التي تهدف إلى بث الخوف والرعب في أنفس الجنود والمدنيين على حد سواء والغرض من جراء ذلك محاولة إجبار هؤلاء على الهروب أو الاستسلام. وهناك اشاعات متعلقة بالأوبئة والأمراض ومدى انتشارها وحجم خطورتها وتخويف الناس منها أو تخويف الناس من استعمال أغراض معينة ذات صلة في الحياة اليومية. ومن أنواع الإشاعات أيضاً تلك المتعلقة بسوء سيرة شخص ما وهذه تنتشر خصوصاً في أوساط الفنانين والرياضيين والتجار. اضافة إلى وجود نوع آخر يمكن تسميته بالشائعات الوردية أو الحالمة والتي تعكس رغبة الناس في تحقيق أمنية أو تقريب شيء بعيد المنال لهم. وهناك نوع آخر من الشائعات يأتي على شكل النكتة والغرض منه السخرية بشخص ما وانتقاده بشكل لاذع.
ويوجد تقسيم آخر لمثل هذه الإشاعات على أساس الهدف الذي يكمن من وراء نشر هذه الإشاعات فهناك إشاعات تهدف إلى إطلاق الشرارة الأولى لحدوث المظاهرات والمشاجرات وإذكاء نارها، وهناك إشاعات جس نبض الجماهير والتي تستعمل لرصد ردود فعل الجماهير وقياس رأيهم العام.. وهناك اشاعات «سُحُب الدخان» أو «الخداع» وهي التي يتم توظيفها كستار من الدخان لإخفاء بعض النوايا لخداع العدو. وأخيراً هناك الإشاعات الهدامة أو ما يُسمى ب«اشاعات دق الإسفين» والتي تعمل على مبدأ «فَرِّق تَسُد».
واجمالاً يمكن وضع الشائعات داخل ثلاثة أطر: الاجتماعي، الاقتصادي، والسياسي.. وما يعنينا في هذا التحقيق هوالإطار السياسي المرتبط بالإشاعات.
الإشاعات السياسية
عند الحديث عن الإشاعة ذات الطابع السياسي لابد من التأكيد على أهمية التعامل مع جانبين هنا هما: السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، إذ إن طبيعة الشائعة المستخدمة في أوساط السياسة الداخلية تختلف عنها في أوساط السياسة الخارجية. ويكثر استخدام الشائعات في اوساط السياسة الداخلية داخل الأنظمة الديموقراطية وخصوصاً في أوقات الانتخابات بهدف الكسب السياسي للأحزاب والنيل من قادة الأحزاب المنافسة عن طريق البحث في ماضي مرشح الحزب المنافس وتضخيم الأمر. وإذا كانت هذه الشائعات تنتشر في الأوساط الديموقراطية ذات الطبيعة الإعلامية والتخاطبية الحرة، فما بالك بالبلدان التي تنعدم فيها حرية الرأي والنشر، إذ يجد فيها أصحاب الشائعات مرتعاً خصباً لبث سمومهم وسوقاً رائجة لتسويق بضاعتهم من الشائعات وهو ما يمثل مصدر خطر على مثل هذه الدول التي تفتقر إلى الشفافية ومقدار الحرية الكفيل بالوقوف في وجه الشائعات، ويمثل الاتحاد السوفييتي سابقاً حالة نموذجية ومثالاً واضحاً على ذلك.
أما في مجال السياسة الخارجية، فإن الشائعات كانت ولا تزال احد أشد معاول الهدم والتحطيم خطراً وخصوصاً في اوقات الحروب. وهذا النوع من الشائعات، كما أشرنا من قبل، يمثل جزءاً من الحرب النفسية وحرب المعلومات التي تهدف إلى التأثير المباشر على العقول وتستهدف ايضاً اصحاب صنع القرار واتخاذه في الحكومات والقادة العسكريين ايام الحروب بغرض التأثير على توجيه معتقداتهم وسلوكياتهم وإدراكهم بشكل يخدم الطرف الذي ينشر الشائعة. وهكذا فإن الشائعة ما هي إلا جزء من النشاطات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية التي تمارسها بعض الدول ضد البعض الآخر وتأخذ هذه الشائعات أشكالاً متنوعة تتراوح بين الاتهامات الوحشية للأفراد أو نشر معلومات تسيء إلى سمعتهم أو الاستقطاب «إن لم تكن معي فأنت ضدي» والحقيقة ان استخدام الحرب النفسية كسلاح فعال في المواجهات له جذور تاريخية ممتدة فالقائد الصيني «صن تزو» عبر كتابه «فن الحرب» يشير إلى أمكانية تحقيق الانتصارات من دون قتال وعبر احتلال عقول الخصم.. بل ويذهب «صن تزو» إلى التأكيد على أهمية تدمير رغبة العدو في الجهاد وإحباط نفسيات أفراده.
استخدام الشائعات في الحروب
في العهد الأول من البشرية المتحاربة كانت الحرب تبدأ بكلمة هنا وأخرى هناك وكانت تستخدم الشائعة آنذاك قبل خوض الحروب أو أثناءها أو حتى بعدها لكي تكون سبباً في إخافة العدو من خلال بث الصفات التي تدعم الموقف القوي فقد كان الجاهليون يستخدمون أشعارهم لوصف القبيلة وقائدها من حيث الشجاعة والمروءة والإقدام والعدد ومراسهم في الحروب.
وقد نذكر حرب البسوس التي كان بدؤها بالشائعات تنقل هنا وهناك وكيف استطاعت المرأة البسوس أن تنقل كلاماً إلى الحاكم عن جمال الجليلة ليتزوجها عنوة ولكن الزواج ينتهي بموت الحاكم وفوز كليب بها ومن ثم يأتي دور كليب الذي أصبح حاكماً على قبيلة تغلب ولكن البسوس زرعت شيئاً في نفسه حيال أخيه المهلهل وتمضي الايام لتزرع الفتنة بين كليب وأهل نسبه بعد مقتل ناقتها التي كان قد منعها من أن ترعى مع أنعامه.
إن مسيرة استخدام الشائعات في الحروب تمضي الى يومنا هذا وقد مضت عبر عصور متعددة مروراً بحروب الكافرين والمنافقين في فجر الإسلام الأول باستخدام الشائعات كمثل اشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة احد بغرض محاربة المسلمين معنويا ونفسيا إلى دخول العرب المسلمين إلى أوروبا وتأسيس الاندلس إلى غزو المستعمر دول العالم الثالث ولكن تستوقفنا أكبر شائعة شهدها التاريخ وهي ادعاء إسرائيل بأن فلسطين هي موطنهم والمتابع للصراع العربي/ الإسرائيلي يجد ان إسرائيل قد حاربت العرب عسكرياً ونفسياً متسببة بشائعات ترتبط بالفكر او العقيدة أو المبدأ كجزء من الحرب النفسية وهي عموماً حرب على الأرض والمبادىء وقد شعرت إسرائيل بأن استخدام الشائعة في هذه الحرب أكثر وقعاً ونفعاً وأقل تكلفة ولذلك قالت (دائماً نستهلك كمية كبيرة من الذخيرة الغالية لتدمر موقعا واحداً من مواقع العدو، ولكن أليس من الأفضل أن نستعمل الدعاية والحرب النفسية لشل الاصابع التي تضغط على زناد المدفع) ومن أجل ذلك دأبت اسرائيل على نشر شائعاتها عن جيشها وقوته التي لا تهدم ولا تقهر، وعن خط بارليف الذي يمثل قلعة لا يمكن عبورها، إلى غير ذلك من شائعات تتعلق بالحق التاريخي لليهود في فلسطين.