رسم تخطيطي لبنية قسم من الحمض النووي بحسب واطسون وكريك. | طراز حديث لبنية الحمض النووي. |
العالمان الانكليزي كريك (الى اليمين) والأميركي واطسون اللذان شاركا في اكتشاف بنية الحمض النووي المتمثّل بالمجسم بينهما. وقد تقاسما في العام 1962 جائزة نوبل للطب مع العالم الانكليزي ويلكنز الي حدّد بدوره الشكل اللولبي لبنية الحمض النووي. |
يوجد الحمض النووي في نواة الخلايا، ويتكون من سلم لولبي على شكل سلسلة مزدوجة (ضفيرتان) غير مستقيمة ملتفة حلزونيا. يتألف هذا السلم من وحدات بناء عدة تدعى نيوكليوتيدات nucléotides تتمايز عن بعضها بعضا بأربعة أنواع من الأسس النتروجينية هي التيمين ( T اختصارا)، السيتوزين (C)، الأدينين A والغوانين G ويجمعها مكوّنان كيميائيان اثنان هما: حمض الفوسفور ونوع من السكر هو الريبوز المنقوص الاوكسيجين. ترتبط الضفيرتان المتوازيتان ببعضهما بعضا بروابط هيدروجينية ضعيفة نسبياً، تتمثل بقضبان مكونة من تلك الأسس النتروجينية المتحدة فيما بينها.
كما تتكون السلسلة المزدوجة للحمض النووي من آلاف النيوكليوتيدات المتصلة ببعضها بعضا ويمكن ان نتصور عددا لا متناهيا من الحموض النووية طبقا للنيوكليوتيدات وترتيبها، اذ تتدرج تلك العناصر وتتعاقب في سلم الـ"أ.د.ن" بشكل مختلف بين افراد الجنس البشري باستثناء التوائم الحقيقيين. لذا فان الحمض النووي يحمل ما يسمى بالإعلام الوراثي او الرمز الوراثي لبناء بروتينات الجسم الخاصة بكل فرد. اشارة الى أنه بقدر ما هو عدد البشر المختلفين وراثيا، يوجد في المقابل عدد لا متناه من هذا الحمض النووي. هذا التنوع الهائل يعود الى الأسس النيتروجينية التي يمكن ان تتراوح بأربعة طرق مختلفة: الادينين مع التيمين او بالعكس، والغوانين مع السيتوزين او بالعكس. ويبدو انه ليس هناك من حدود بالنسبة الى عدد المرات التي يمكن ان تتكرر فيها تلك الارتباطات في سلسلة طويلة مضاعفة، كما وليست هناك من قيود على تتالي ترتيبها، ما سمح بوجود اتحادات عدة بين T-A و A -T و C – G و G – C. هذا الواقع جعل العدد المحتمل للحموض الريبية النووية المنقوصة الاوكسيجين "أ.د.ن" غير محدود علميا وغير متناه، الامر الذي ادى الى انواع متباينة من الاحياء تختلف بعدد النيوكليوتيدات وترتيبها في جزئيات حموضها النووية.
يذكر ان العالمين الانكليزي كريك والاميركي واطسون قد تخيلا واقترحا للمرة الاولى في العام 1053 طرازاً لبنية الحمض النووي الآنف الذكر.
بصمات الاصابع وأشكالها
للحمض النووي ثلاث خصائص تجعل منه المفتاح الشامل للحياة، فهو اولاً يمد الخلية بالتعليمات عن كيفية صنع البروتينات النوعية، وهو بذلك يتحياتي التركيب البنيوي والوظيفي للخلية، ثانيا، يتميز بقوة التضاعف الذاتية duplication داخل الخلايا، وثالثا بامكان اصابته ضمن شروط محددة بطفرات mutations اي بتغيير في محتواه من الأسس النتروجينية يؤول بدوره الى تبدل في الخصائص البنيوية والوظيفية للخلية.
في العام 1902 وضع ألفونس برتيون للمرة الاولى طريقة للتعرف على هوية الاشخاص بواسطة بصمات الاصابع emperintes digitales وهو بذلك يعتبر رائد الهوية الجنائية، بعدما ساهمت هذه الوسيلة في التعرف على قاتل ما.
وفي هذا المضمار صنف الاختصاصيون اشكالاً خاصة للبصمات سموها رسوم الجلد على انامل الاصابع dermatohlypes وذلك طبقا لتشكل الخطوط المنحنية للبصمات ومن تلك الرسوم القوس، الحلقة والزوبعة.
يتميز كل كائن بشري عن غيره ببصمات اصابعه، حتى ان التوائم الحقيقيين لهم بصمات اصابع متغايرة. هذه الخاصية دفعت الى الاعتماد على البصمات اثناء التحقيقات البوليسية، كون مكافحة الجريمة تقضي التعرف على هوية المشتبه بهم بشكل قاطع لا لبس فيه.
يعود تحديد بصمات الاصابع للعامل الوراثي، لكنه يخضع ايضا لعوامل بيئية خلال مرحلة الطفولة. يوجد تقريباً امكان واحد من 17 مليار تتطابق فيها البصمات لدى شخصين من بين 6,5 مليار انسان على الكرة الارضية.
ان تحليل بصمات الاصابع يتم من خلال قياس الخطوط المنحنية الظاهرة فيها، وللتأكد من ان البصمات عائدة لمشتبه به، ينبغي اثبات عدد من المطابقات بين بصماته وبصمات المجرم. الا ان بصمات الاصابع على اهميتها في التعرف على هوية شخص ما، تصبح بلا فاعلية حين يمحو المشتبه به كل آثار له، او حين يرتدي قفازات. من هنا نشأت فكرة الاعتماد على تحليل الحمض النووي "أ. د. ن" لاثبات تورط اي شخص في جريمة او ما شابه. لكن الامر يستدعي، قبل كل شيء، تحديد ماهية البقايا البيولوجية التي يتوجب ايجادها في مسرح الجريمة، وكيفية استعمالها في عملية البحث عن هوية المشتبه به.
البقايا البيولوجية
يطرح المحققون، اثناء عملية الاستقصاء عن البقايا البيولوجية الأسئلة الآتية:
-1 ما هو منشأ الاثر البيولوجي المتبقي؟
-2 في اي ظروف ترك هذا الاثر؟
-3 ما طبيعة كل العينات؟ وكيف نجدها؟
الدم: يعتبر الدم العينة البيولوجية التقليدية بامتياز. ويتكون من خلايا تسمى الكريات الحمر والكريات البيض، التي تسبح في سائل هو البلاسما. تحتوي الكريات الحمر على بروتين خاص يسمى اليحمور Hémoglobine يؤمن امداد خلايا الجسم بالاوكسيجين، وهي خلايا خالية من النواة، وتاليا من الحمض النووي، خلافاً للكريات البيض.
ان تحليل عينة دم مرئية بالعين المجردة هو امر ممكن، اذا تزامن مع اجراء تحاليل بواسطة طريقة نسخ الحمض النووي المعروفة بـPCR.
- السائل المنوي: هو عبارة عن مزيج من خلايا تدعى: النطف، معلقة داخل سائل يسمى البلاسما المنوية، وهو غني بالخلايا وبالحمض النووي تاليا. وثمة خلايا اخرى توجد فيه كالخلايا الظهارية والكريات البييض، التي تسمح باجراء فحص الحمض النووي في حالة سائل منوي خال من النطف. تعتبر النطف خلايا مقاومة لعمليات استخراج حمضها النووي، ويلزمها مواد كيميائية فعالة لتسهيل استخراجه.
- اللعاب: يحتوي اللعاب على بروتينات شتى تسهل البدء بهضم الاطعمة كما يتضمن بضع الخلايا المنزوعة عن جدار الغدد اللعابية وجدران الفم، ولذلك تعتبر المادة البيولوجية الكامنة فيه، والصالحة للتحليل، ضئيلة نسبياً.
- اعقاب السجائر: ينحصر استخراج الحمض النووي منها، في الاجزاء التي لامست مباشرة شفتي المدخن، ولهذه الغاية تنزع الورقة المحيطة بمرشح السيجارة بعناية تامة. ولكون اعقاب السجائر ترمى اينما كان، فانها تشكل عينات كفيلة بتضليل التحقيق.
- أدوات زجاجية (إناء، كأس، قدح) أوعية ومأكولات: ان أي اناء زجاجي او عنق قنينة قد لامس شفتي شخص ما، يحمل بشكل قاطع بقايا من لعاب قد تساعد في نجاح تحليل الحمض النووي. كما ان مأكولات قد تم مضغها بالفم أو بصقها منه (ثمر ونواتها، بسكويت، أو علكة، ....) يمكن ان تحمل بقايا لعاب.
وفي السياق عينه، لاننسى فراشي الاسنان، ومعظم الأشياء الموجودة أمام فم يتكلم، كآلة التلفون، والميكروفون والثياب الحاملة بالتأكيد أثراً للعابه. وفي اطار الجنح الجنسية، تبين أن لعاب المعتدي موجود بشكل ملحوظ على أجزاء مختلفة من جسم الضحية.
- العظام والأسنان: هذه العيّنات إن وُجدت، لا تعتبر بقايا أو آثار، لكنها تستخدم للتعرف على الجثث. ان الحمض النووي للعظام والأسنان يبقى صالحاً لفترة طويلة بعد الوفاة حتى بعد تعرّض الجثة لاضرار جسيمة كالاحتراق مثلاً.
- شعر الرأس وشعر البدن: يستخرج الحمض النووي الموجود في الشعر من جذوره، كون تيجان الشعر مادة ميتة تحتوي على قدر محطم جذوره الخالية من خلايا حية، وتالياً من الحمض النووي. وفي هذه الحالة، يتم اللجوء الى الحمض النووي لجسيمات خلية متبقية في ساق الشعرة. ان الجذور الجيدة للشعر المنزوع تساعد في انجاح تحليل الحمض النووي.
لقد تم استثمار هذه العينات، بعد ادخال الاجهارية (فحص بالمجهر) في اعمال الشرطة الجنائية. وقد تبين ان الشعر الذي عثر عليه في يد ضحية لا يعود بالضرورة للمعتدي، كما ان الشعب الموجود في أيدي ضحايا جروح الرأس يعود في الغالب لهم.
- شعر الحيوانات الداجنة: تعتبر هذه العينة من الآثار التي يمكن الرحون اليها في حالات عدة. فالتجارب التي اجريت دلّت على ان الشخص الداخل شقة يعيش فيها شكر خاص او قطة، قد يحمل عشرات بل مئات من شعر تلك الحيوانات. طبعاً لنوع الحيوان ونشاط الدخيل.
- البول: يحتوي هذا السائل على كل أنواع المواد التي على الجسم التخلص منها، كما فيه بعض الخلايا المنزوعة من جدران الاعضاء التي يخترقها، كالمثانة والأقنية البولية. ومن حيث الأهمية، لا يشكل البول مورداً جيداً للحمض النووي. لكن ذلك لا يمنع من ماحولة اجراء تحليل عليه.
- الاظافر: تعتبر مصدراً جيداً للحمض النووي، ونادراً ما توجد كآثار متبقية، لنكاغه تكتسي اهمية لدى العثور على خلايا لمعتدي تحت اظرافر الضحية، وفي تلك الحالة يغدو من الصعب استخداج الحمض النووي الغريب، بمعزل عن استخداخ الحمض النووي للآظافر ما يؤول الى حمض نووي ممزوج.
- أشياء لامست الأيدي: ان ملامسة جلد اليد للاشياء من شأنه ان يترك أثراً لخلايا جلدية عليه، ومن تلك الأشياء: آلة تلفون، مفتاح سيارة أو بناية، أحذية، ثياب، نظارات، قبعة، قفازات، أقلام، ساعات، أسلحة صيد...
ان نسب نجاح تحاليل بقايا ملامسة الاشياء غير أكيدة، وقد تؤدي الى تحليل حمض نووي ممزوج وعديم الفائدة. كما ان تحليل الحمض النووي لأثر ملامسة، تطرح سؤالاً عن المنافسة بين تحليل الحمض النووي من جهة، والبحث عن بصمات الاصابع من جهة اخرى. وعن المفاضلة بينهما. وفي هذا الصدد، تعتبر المساحات الملساء اكثر ملاءمة لفحص بصمات الاصابيع، فيما تساعد المساحات الخشنة على نزع خلايا الجلد وحفظها وصولاً الى تحليل الحمض النووي.
والسؤال المطروح: هل من تنافس حقيق بين الوسيلتين؟
الجواب: لا، فالوسائل المتعمدة لرؤية البصمات لا تبعد حظوظ نجاح تحليل الحمض النووي على المساحة عينها، فمن المفيد اولاً، البحث عن البصمات ومن ثم اجراء تحليل الحمض النووي.
- عيّنات خاصة:
ثمة عينات كبقع الدم والسائل المنوي الجافة، تحتفظ بحمضها النووي حتى بعد خضوعها لغسيل بآلة على درجة حرارة 90 درجة مئوية.
كما ان القشور الجلدية، وهي بقايا تنفصل عن الجلد من دون احتكاك به. وقد تتساقط على اشياء خاصة تحوط الشخص، كالمعطف وفرشاة الشعر ووجه الوسادة، وتعتبر مورداً مهماً للحمض النووي.
في الجنح الجنسية مع استعمال واق ذكري، فان سطح الاخير يحمل مادة بيولوجية عائدة للضحية، وقد يسمح فحصه في حالة اغتصاب متعدد بتحديد عدد المغتصبين وتعقبهم.
اشارة الى ان الواقي الذكري غالباً ما يرمى بالقرب من مكان الاغتصاب، ويشكل حينها عينة مهمة للتحليل.
كما تعتبر الافرازات الأنفية، من الادوات البيولوجية التي قد يخلفها الشخص وراءه، وتشكل مصدراً مهما للحمض النووي.