غزة: مقاومة وإبادة
الموقف الذي أعلنه امس الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك، كان قويا ومباشرا في ولوجه لب الموضوع. قال: "لا نريد مقاومة اذا كان معناها إبادة الشعب الفلسطيني". فعند هذه النقطة بالتحديد ينبغي التوقف على مستوى القرار الفلسطيني، ولا سيما بالنسبة الى حركة "حماس" التي اقل ما يقال انها تورّطت في حرب كانت تنشدها إسرائيل لاشهر طويلة.
وعندما تعود بنا الذاكرة الى قول بعض قادة الحركة ان "حماس" ستبقى حتى ولو رمى الاسرائيليون غزة بقنبلة نووية، نكتشف حجم المشكلة والمسؤولية التاريخية التي وقعت وتقع على عاتق فئة سياسية فلسطينية أخطأت في استنساخ نموذج "حزب الله" في لبنان، فانزلقت نحو حرب ذهب ضحيتها حتى الآن اكثر من 4000 مواطن فلسطيني بين شهيد وجريح، عدا الخسائر الفادحة في البنى والمنشآت، والقطاعات الاقتصادية المنكوبة اصلا.
لا يرمي هذا الكلام الى تحميل حركة "حماس" أو قياداتها الايرانية الهوى تبعة شلالات الدم. فمسوؤلية اسرائيل عن الجريمة الكبرى في حق الشعب الفلسطيني لا تحتاج الى ادلة. انما يرمي هذا الكلام الى القول ان ما يجري في قطاع غزة كان يمكن تلافيه قبل حصوله، ثم في مرحلة لاحقة كان يمكن التقليل من مآسيه بقبول المبادرة المصرية. واليوم يمكن وقف حمام الدم الفلسطيني بقبول القرار 1860 معطوفا على المبادرة المصرية كآلية تنفيذية للقرار الذي رفضته اسرائيل. ومن المؤسف حقا تفويت فرصة جديدة في المعركة الديبلوماسية بالمسارعة الى رفض القرار 1860 حتى قبل ان تبادر اسرائيل الى رفضه. وهي الآن تحظى بغطاء معنوي يعود الى رفض "حماس" والفصائل التي مقرها دمشق القرار، بحيث صارت تتمتع بهوامش زمنية اوسع لمتابعة الحملة الهمجية على غزة، والمناورة على مستوى المبادرة المصرية التي تعرضت لانتقادات من عرب ايران، وذلك على رغم ايفاد "حماس" وفدا الى القاهرة للبحث مع القيادة المصرية في التفاصيل العملانية للمبادرة.
ان أهم ما ورد في القرار 1860 اقرار ضمني بإنشاء قوة مراقبة دولية تتمركز في غزة، وهذا مطلب فلسطيني مزمن منذ أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات، فكيف ترفض "حماس" مكسبا بهذا الحجم وخصوصا ان تطبيقه يؤدي الى اقامة مظلة حماية دولية لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين في وجه الاحتلال الاسرائيلي؟
لقد ارتُكبت أخطاء كثيرة، وشكّل خروج قطاع غزة من حظيرة الشرعية عبر الانقلاب الذي نُفذ في 2007 بداية لمرحلة انحدارية على جميع المستويات المعيشية الاقتصادية بفعل الاغلاقات التي مارستها اسرائيل، والحصار الاقتصادي الذي فرضته على غزة الأسرة الدولية الرافضة للانقلاب. وبدل ان تعيد "حماس" النظر في خيارتها وسلوكها استسلمت تماما للخيار الايراني مما أوصلها الى الوقوع في فخ اسرائيلي - ايراني مزدوج ادى الى ما هي فيه.
في مطلق الاحوال، وصلت الأمور الى مراحلها النهائية. فبات على حركة "حماس" ان تفكر مليا في خيارتها المقبلة، لأن حياة مئات الآلاف في غزة هي على المحك. وبات عليها ايضا اتخاذ قرار شجاع يفوق شجاعة قتال العدو: ان تقبل بالقرار 1860 والمبادرة المصرية معا، أيضاً ان تنخرط وبالتوازي في مصالحة فلسطينية داخلية تبدأ بالعودة الى حظيرة الشرعية. فقد ثبت ان احدا لا يمكنه التفرد بالقرار الفلسطيني، وان لا جهة يمكنها ان ترهن هذا القرار للخارج من دون تبعات دراماتيكية. وانه لا يمكن الاستمرار من خارج الشرعية ايا تكن الاحجام والامكانات.
خلاصة الامر ان السياسة الايرانية في المنطقة لم تجرّ على العرب سوى الحروب بالواسطة، تارة في لبنان وطورا في فلسطين. فبأي منطق أو ناموس يُقدم بعض العرب دماء الفلسطينيين، كاللبنانيين، ليرتوي بها مشروع هيمنة حساباته باردة تماما كالموت؟!

علي حماده