رثاء حبيبة زمن الحرب
تعالي حبيبتي نتحاكى بعضا مما كان أسرارا بيننا،
يفصلني عنك موت فيه حياتك،
وتفصلك عني حياة فيها مماتي،
فقد غمت بعدك الدنيا بالشك في كل شيء،
حتى أوراقي الجريحة بنزف النبض في عز ارتحال رفاق الدرب المظلم بحثا عن كوة ضوء،
صارت تعاندني كلما تسللت إليها أسأل عن وجه كان بسعة الحلم في جزيرة صمت مقتعدا حافة بركان.
هل تذكرين كم لعنت في حضرتك ما تبعثر من حروفي،فقط لأنك لم تقرئي أبدا ما كنت أكتب،
ثم تبسمين راثية لحالي بأهداب عينيك،
فتعلو محياك صفرة قلت عنها تكون بلون الخوف علي من عودة الجسد المنهك بالانتظارات على سفوح سراديب النفي،
الآن أحاول أن أفهم صمتك عن التعليق حول المساحات الفارغة بيننا،
ربما لأن المداد فيها لم يكن بزرقة بحر تركته السماء للضفة الأخرى،
يلاطم موجه صخور النسيان،
أسهر حتى مطلع الفجر،
ذابلة جفوني من أرق انشغالي بحزن انكساري بلا معنى في طواف الرأس حول كأس شربتها على نخب عودة الصحو من سكرة التيه،
ثم آوي إلى جنبك متسللا عبر صمت الهزيع الأخير من الليل،
واهنا من خجلي،
حين أستدرك حاجتي إليك جدارا أسند عليه رغبتي في دفء نسيت طعمه،
سألتك ذات ليلة بيضاء متمسحا بأشيائك في عز البرد،
واهما أني في حضنك الممتد باحتمالات الوصال،
هل يمكن أن أجد فيك بعض سكوني،
كان البرد قارسا،
حسبت أنك ستردين كعادتك حين تفيقين على خطوي،
لكنك لم تردي،
كان صمتك أقسى علي من هزيمة سيفي الخشبي،
ثم عدت من حيث أتيت،أكتب ورقة ربما تكون وصيتي الأخيرة.
ما زلت كعهدك بي حبيبتي كل ليلة،
مرتحلا بين مسافات خيالات الذاكرة العطلى خلف مرايا صدئة،
تنكسر مجاديف الحلم بالكينونة مرة واحدة قبل اللحاق بك،
و كما قلت لك ذات مساء،
ما زال يعاندني الموت،
يريد أن يشهد هرق دمي بيدي على حافة اليأس،
لكني أمانع مستعصيا على الانطفاء قبل الأوان،
يطرق بابي فيخطئني الموعد رغم تكلس شراييني،
لو رأيتني شبحا يمشي على عكازين لضحكت حبيبتي،
لن تصدقي كيف حولني الزمان إلى هاو صناعة تماثيل من ورق،
أراود حروفا تعلمتها من ضمن ما تعلمت،
كي أنفث فيها بقايا سرابات الوهم،
فتطاوعني اللغة،
ولا تطاوعني الرغبة في الانسحاب وقورا في أرذل العمر،
رغم يقيني،
بأنه ما عادت تنفعني تمائم الكتابة على جدارات شاحبة.